تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٦٨
وقرأ الحسن: إلا أنثى على التوحيد. وقرأ ابن عباس، وأبو حيوة، والحسن، وعطاء، وأبو العالية، وأبو نهيك، ومعاذ القاري: أنثا. قال الطبري: فيما حكى إناث كثمار وثمر. وقال غيره: أنث جمع أنيث، كغرير وغرر. وقال المغربي: إلا إناثا إلا ضعافا عاجزين لا قدرة لهم، يقال: سيف أنيث وميناثة بالهاء وميناث غير قاطع. قال الشاعر:
* فتخبرني بأن العقل عندي * جراز لا أقل ولا أنيث * أنث في أمره لان، والأنيث المخنث الضعيف من الرجال. وقرأ سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء: إلا وثنا بفتح الواو والثاء من غير همزة. وقرأ ابن المسيب، ومسلم بن جندب، ورويت عن ابن عباس، وابن عمر، وعطاء: الاأنثا، يريدون وثنا، فأبدل الهمزة واوا، وخرج على أنه جمع جمع إذ أصله وثن، فجمع على وثان كجعل وجمال، ثم وثان على وثن كمثال، ومثل وحمار وحمر. قال ابن عطية: هذا خطأ، لأن فعالا في جمع فعل إنما هو للتكثير، والجمع الذي هو للتكثير لا يجمع، وإنما يجمع جموع التقليل، والصواب أن يقال: وثن جمع وثن دون واسطة، كأسد وأسد انتهى. وليس قوله: وإنما يجمع جموع التقليل بصواب، كامل الجموع مطلقا لا يجوز أن تجمع بقياس سواء كانت للتكثير أم للتقليل، نص على ذلك النحويون. وقرأ أيوب السجستاني: الاوثنا بضم الواو والثاء من غير همزة، كشقق. وقرأت فرقة: الااثنا بسكون الثاء، وأصله وثنا، فاجتمع في هذا اللفظ ثماني قراآت: إناثا، وأنثا، وأوثانا، ووثنا، ووثنا، واثنا، وأثنا.
* (وإن يدعون إلا شيطانا مريدا * لعنه الله) * المراد به إبليس قاله: الجمهور، وهو الصواب، لأن ما قاله بعد ذلك مبين أنه هو. وقيل: الشيطان المعين بكل صنم: أفرد لفظا وهو مجموع في المعنى الواحد يدل على الجنس. قيل؛ كان يدخل في أجواف الأصنام فيكلم داعيها، ويحتمل أن يكون لعنه الله صفة، وأن يكون خبرا عنه. وقيل: هو دعاء، ولا يتعارض الحصران، لأن دعاء الأصنام ناشىء عن دعائهم الشيطان، لما عبدوا الشيطان أغراهم بعبادة الأصنام، أو لاختلاف الدعاءين، فالأول عبادة، والثاني طواعية. وقال ابن عيسى: هو مثل: * (وما رميت إذ رميت ولاكن الله رمى) * يعني: أن نسبة دعائهم الأصنام هو على سبيل المجاز. وأما في الحقيقة فهم يدعون الشيطان.
* (وقال لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) * أي نصيبا واجبا اقتطعته لنفسي من قولهم: فرض له في العطاء، وفرض الجند رزقهم. والمعنى: لأستخلصنهم لغوايتي، ولأخصنهم بإضلالي، وهم الكفرة والعصاة. قال ابن عطية: المفروض هنا معناه المنحاز، وهو مأخوذ من الفرض، وهو الحز في العود وغيره، ويحتمل أن يريد واجبا أن اتخذه، وبعث النار هو نصيب إبليس. قال الحسن: من كل ألف تسعمائة وتسعون قالوا: ولفظ نصيب يتناول القليل فقط. والنص إن أتباع إبليس هم الكثير بدليل: * (لاحتنكن ذريته إلا قليلا) * * (فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين) * وهذا متعارض.
وأجيب أن التفاوت إنما يحصل في نوع البشر، أما إذا ضممت أنواع الملائكة مع كثرتهم إلى المؤمنين كانت الكثرة للمؤمنين. وأيضا فالمؤمنون وإن كانوا قليلين في العدد، نصيبهم عظيم عند الله تعالى. والكفار والفساق وإن كانوا كثيرين فهم كالعدم. انتهى تلخيص ما أحب به. والذي أقول: إن لفظ نصيب لا يدل على القليل والكثير، بدليل قوله: * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون) * الآية. والواو: قيل عاطفة، وقيل واو الحال.
* (ولاضلنهم ولامنينهم ولامرنهم فليبتكن ءاذان الانعام ولامرنهم فليغيرن خلق الله) * هذه خمسة أقسم إبليس عليها: أحدها: اتخاذ نصيب من عباد الله وهو اختياره إياهم. والثاني: إضلالهم وهو صرفهم عن
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»