تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٥٧
تفسيره فمن أراده فليطالعه فيه.
* (ولا تهنوا فى ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) * قيل: تزلت في الجهاد مطلقا. وقيل: في انصراف الصحابة من أحد، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم) أمرهم باتباع أبي سفيان وأصحابه، أمر أن لا يخرج إلا من كان معه في أحد، فشكوا بأن فيهم جراحات. وهذه الآية تشير إلى أن القضاء في قوله: * (فإذا قضيتم الصلواة) * إنما هو قضاء صلاة الخوف.
وقرأ الحسن: تهنوا بفتح الهاء وهي لغة. فتحت الهاء كما فتحت دال يدع، لأجل حرف الحلق، والمعنى: ولا تضعفوا أو تخوروا جبنا في طلب القوم. وقرأ عبيد بن عمير: ولا تهانوا من الإهانة. نهوا عن أن يقع منهم ما يترتب عليه إهانتهم من كونهم يجنون على أعدائهم فيهانون كقولهم: (لا أريناك هاهنا)، ثم شجعهم على طلب القوم وألزمهم الحجة، فإن ما فيهم من الألم مشترك، وتزيدون عليهم أنكم ترجون من الله الثواب وإظهار دينه بوعده الصادق، وهم لا يرجونه، فينبغي أن تكونوا أشجع منهم وأبعد عن الجبن. وإذا كانوا يصبرون على الآلام والجراحات والقتل، وهم لا يرجون ثوابا في الآخرة، فأنتم أحرى أن تصبروا. ونظير ذكر هذا الأمر المشترك فيه قول الشاعر:
* قاتلوا القوم يا خداع ولا * يأخذكم من قتالهم قتل * * القوم أمثالكم لهم شعر * في الرأس لا ينشرون أن قتلوا * والرجاء هنا على بابه، وقيل: معناه الخوف الذي تخافون من عذاب الله ما لا تخافون كقوله: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها، أي: لم يخف. وزعم الفراء أن الرجاء لا يكون بمعنى الخوف إلا مع النفي، ولا يقال رجوتك بمعنى خفتك. وقرأ الأعرج: أن تكونوا بفتح الهمزة على المفعول من أجله. وقرأ ابن المسيفع: تئلمون بكسر التاء. وقرأ ابن وثاب ومنصور بن المعتمر: تئلمون بكسر تاء المضارعة فيهما ويائهما، وهي لغة.
* (وكان الله عليما حكيما) * أي عليما بنياتكم حكيما فيما يأمركم به وينهاكم عنه.
* (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) * طول المفسرون في سبب النزول، ولخصنا منه انتهاء ما في قول قتادة وغيره. نزلت في طعمة بن أبيرق، سرق درعا في جرب فيه دقيق لقتادة بن النعمان وخبأها عند يهودي، فحلف طعمة ما لي بها علم، فاتبعوا أثر الدقيق إلى دار
(٣٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 ... » »»