تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣١٤
وجه يثلج صدرا أو يزيل شكا، إذ نزلت في قوم أسلموا ذريعة إلى غنى وخصب ينالونه، وظفر يحصلونه، فكان أحدهم إذا نابتة نائبة، أو فاته محبوب، أو ناله مكروه، أضاف سببه إلى الرسول متطيرا به. والحسنة هنا والسيئة كهما في: * (وبلوناهم بالحسنات والسيئات) * وفي * (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هاذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه) * انتهى. وقد طعن بعض الملاحدة فقال: هذا تناقض، لأنه قال: قل كل من عند الله وقال عقيبه: ما أصابك من حسنة الآية. وقال الراغب: وهذا ظاهر الوهى، لأن الحسنة والسيئة من الألفاظ المشتركة كالحيوان الذي يقع على الإنسان والفرس والحمار. ومن الأسماء المختلفة كالعين. فلو أن قائلا قال: الحيوان المتكلم والحيوان غير المتكلم، وأراد بالأول الإنسان، وبالثاني الفرس أو الحمار، لم يكن متناقضا. وكذلك إذا قال: العين في الوجه، والعين ليس في الوجه، وأراد بالأولى الجارحة، وبالثانية عين الميزان أو السحاب. وكذلك الآية أريد بهما في الأولى غير ما أريد في الثانية كما بيناه انتهى.
والذي اصطلح عليه الراغب بالمشتركة وبالمختلفة ليس اصطلاح الناس اليوم، لأن المشترك هو عندهم كالعين، والمختلفة هي المتباينة. والراغب جعل الحيوان من الأسماء المشتركة وهو موضوع للقدر المشترك، وجعل العين من الأسماء المختلفة وهو في الاصطلاح اليوم من المشترك. قال بعض أهل العلم: والفرق بين من عند الله، ومن الله: أن من عند الله أعم. يقال: فيما كان برضاه وبسخطه، وفيما يحصل، وقد أمر به ونهى عنه، ولا يقال: هو من الله إلا فيما كان برضاه وبأمره، وبهذا النظر قال عمر: إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن الشيطان انتهى. وعنى بالنفس هنا المذكورة في قوله: * (إن النفس لامارة بالسوء) * وقرأت عائشة رضي الله عنها: فمن نفسك بفتح الميم ورفع السين، فمن استفهام معناه الإنكار أي: فمن نفسك حتى ينسب إليها فعل المعنى ما للنفس في الشيء فعل.
* (وأرسلناك للناس رسولا) * أخبر تعالى أنه قد أزاح عللهم بإرساله، فلا حجة لهم لقوله: * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * وللناس عام عربهم وعجمهم، وانتصب رسولا على الحال المؤكدة. وجوز أن يكون مصدرا بمعنى إرسالا، وهو ضعيف.
* (وكفى بالله شهيدا) * أي مطلعا على ما يصدر منك ومنهم، أو شهيدا على رسالتك. ولا ينبغي لمن كان الله شاهده إلا أن يطاع ويتبع، لأنه جاء بالحق والصدق، وشهد الله له بذلك.
وقد تضمنت هذه الآيات من البيان والبديع: الاستعارة في: يشرون الحياة الدنيا بالآخرة، وفي: فسوف نؤتيه أجرا عظيما لما يناله من النعيم في الآخرة، وفي: سبيل الله، وفي: سبيل الطاغوت، استعار الطريق للاتباع وللمخالفة وفي: كفوا أيديكم أطلق كف اليد الذي هو مختص بالإجرام على الإمساك عن القتال. والاستفهام الذي معناه الاستبطاء والاستبعاد في: وما لكم لا تقاتلون. والاستفهام الذي معناه التعجب في: ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا. والتجوز بفي التي للوعاء عن دخولهم في: الجهاد. والالتفات في: فسوف نؤتيه في قراءة النون. والتكرار في: سبيل الله، وفي: واجعل لنا من لدنك، وفي: يقاتلون، وفي: الشيطان، وفي: وإن تصبهم، وفي: ما أصابك وفي: اسم الله. والطباق اللفظي في: الذين آمنوا والذين كفروا. والمعنوي في: سبيل الله طاعة وفي سبيل الطاغوت معصية. والاختصاص في: إن كيد الشيطان كان ضعيفا، وفي: والآخرة خير لمن اتقى. والتجوز بإسناد الفعل إلى غير فاعله في: يدرككم الموت، وفي: إن تصبهم، وفي: ما أصابك. والتشبيه في: كخشية. وإيقاع أفعل التفضيل حيث لا مشاركة في: خير لمن اتقى. والتجنيس المغاير في: يخشون وكخشية. والحذف في مواضع.
2 (* (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فمآ أرسلناك عليهم حفيظا * ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طآئفة منهم غير الذى تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض
(٣١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 ... » »»