تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٩٢
فلم يرض بقضائه، فأقر المنافق بذلك عند عمر، فقتله عمر وقال: هكذا أقضي فيمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة لأنه تعالى لما أمر المؤمنين بطاعة الله ورسوله وأولي الأمر، ذكر أنه يعجب بعد ورود هذا الأمر من حال من يدعي الإيمان ويريد أن يتحاكم إلى الطاغوت ويترك الرسول. وظاهر الآية يقتضي أن تكون نزلت في المنافقين، لأنه قال: يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، فلو كانت في يهود أو في مؤمن ويهودي كان ذلك بعيدا من لفظ الآية، إلا إن حمل على التوزيع، فيجعل بما أنزل إليك في منافق، وما أنزل من قبلك في يهودي، وشملوا في ضمير يزعمون فيمكن. وقال السدي: نزلت في المنافقين من قريظة والنضير، تفاخروا بسبب تكافؤ دمائهم، إذ كانت النضير في الجاهلية تدي من قتلت وتستقيه إذا قتلت قريظة منهم، فأبت قريظة لما جاء الإسلام، وطلبوا المنافرة، فدعا المؤمنون منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم)، ودعا المنافقون إلى بردة الكاهن، فنزلت. وقال الحسن: احتكم المنافقون بالقداح التي يضرب بها عند الأوثان فنزلت. أو لسبب اختلافهم في أسباب النزول اختلفوا في الطاغوت. فقيل: كعب بن الأشرف. وقيل: الأوثان. وقيل: ما عبد من دون الله. وقيل: الكهان.
* (وقد أمروا أن يكفروا به) * جملة حالية من قوله: يريدون، ويريدون حال، فهي حال متداخل. وأعاد الضمير هنا مذكرا، وأعاده مؤنثا في قوله: اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها. وقرأ بها هنا عباس بن الفضل على التأنيث، وأعاد الضمير كضمير جمع العقلاء في قوله: * (أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم) *.
* (ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) * ضلالا ليس جاريا على يضلهم، فيحتمل أن يكون جعل مكان إضلال، ويحتمل أن يكون مصدر المطاوع يضلهم، أي: فيضلون ضلالا بعيدا. وقرأ الجمهور: بما أنزل إليك وما أنزل مبنيا للمفعول فيهما. وقرئ: مبنيا للفاعل فيهما.
* (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) * قرأ الحسن: تعالوا بضم اللام. قال أبو الفتح: وجهها أن لام الفعل من تعاليت حذفت تخفيفا، وضمت اللام التي هي عين الفعل لوقوع واو الجمع بعدها. ولظهر الزمخشري حذف لام الكلمة هنا بحذفها في قولهم: ما باليت به بالة، وأصله: بالية كعافية. وكمذهب الكسائي في آية، أن أصلها أيلة فحذفت اللام. قال: ومنه قول أهل مكة: تعالي بكسر اللام للمرأة. وفي شعر الحمداني:
تعالي أقاسمك الهموم تعالي والوجه: فتح اللام انتهى. وقول الزمخشري: قول أهل مكة تعالي يحتمل أن تكون عربية قديمة، ويحتمل أن يكون ذلك مما غبرته عن وجهه العربي فلا يكون عربيا. وأما قوله في شعر الحمداني فقد صرح بعضهم بأنه أبو فراس، وطالعت ديوانه جمع الحسين بن خالويه فلم أجد ذلك فيه. وبنو حمدان كثيرون، وفيهم عدة من الشعراء، وعلى تقدير
(٢٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 ... » »»