ومكحول، واختاره أبو سليمان الدمشقي: نزلت في الأمراء أن يؤدوا الأمانة فيما ائتمنهم الله من أمر رعيته. وقيل: نزلت عامة، وهو مروي عن: أبي، وابن عباس، والحسن، وقتادة.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر وعد المؤمنين، وذكر عمل الصالحات، نبه على هذين العملين الشريفين اللذين من اتصف بهما كان أحرى أن يتصف بغيرهما من الأعمال الصالحة، فأحدهما ما يختص به الإنسان فيما بينه وبين غيره وهو أذاء الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، والثاني ما يكون بين اثنين من الفصل بينهما بالحكم العدل الخالي عن الهوى، وهو من الأعمال العظيمة التي أمر الله بها رسله وأنبياءه والمؤمنين. ولما كان الترتيب الصحيح أن يبدأ الإنسان بنفسه في جلب المنافع ودفع المضار، ثم يشتغل بحال غيره، أمر بأداء الأمانة أولا ثم بعده بالأمر بالحكم بالحق. والظاهر في: يأمركم أن الخطاب عام لكل أحد في كل أمانة.
وقال ابن جريج: خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم) في شأن مفتاح الكعبة. وقال علي، وابن أسلم، وشهر، وابن زيد: خطاب لولاة المسلمين خاصة، فهو للنبي صلى الله عليه وسلم) وأمرائه، ثم يتناول من بعدهم. وقال ابن عباس: في الولاة أن يعظوا النساء في النشوز ونحوه، ويردوهن إلى الأزواج. وقيل: خطاب لليهود أمروا برد ما عندهم من الأمانة، من نعت الرسول أن يظهروه لأهله، إذ الخطاب معهم قبل هذه الآية. ونقل التبريزي: أنها خطاب لأمراء السرايا بحفظ الغنائم ووضعها في أهلها. وقيل: ذلك عام فيما كلفه العبد من العبادات. والأظهر ما قدمناه من أن الخطاب عام يتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال، ورد الظلامات، وعدل الحكومات. ومنه دونهم من الناس في الودائع، والعواري، والشهادات، والرجل يحكم في نازلة. قال ابن عباس: لم يرخص الله لموسر ولا معسر أن يمسك الأمانة.
وقرئ: أن تؤدوا الأمانة على التوحيد، وأن تحكموا، ظاهره: أن يكون معطوفا على أن تؤدوا، وفصل بين حرف العطف والمعطوف بإذا. وقد ذهب إلى ذلك بعض أصحابنا وجعله كقوله: * (ربنا ءاتنا فى الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة) * * (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) * * (سبع سماوات * ومن الارض مثلهن) * ففصل في هذه الآية بين الواو والمعطوف بالمجرور. وأبو علي يخص هذا بالشعر، وليس بصواب. فإن كان المعطوف مجرورا أعيد الجار نحو: امرر بزيد وغدا بعمرو. ولكن قوله: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا، ليس من هذه الآيات، لأن حرف الجر يتعلق في هذه الآيات بالعامل في المعطوف، والظرف هنا ظاهره أنه منصوب بأن تحكموا، ولا يمكن ذلك لأن الفعل في صلة أن، ولا يمكن أن ينتصب بالناصب لأن تحكموا لأن الأمر ليس واقعا وقت الحكم. وقد خرجه على هذا بعضهم. والذي يظهر أن إذا معمولة لأن تحكموا مقدرة، وأن تحكموا المذكورة مفسرة لتلك المقدرة، هذا إذا فرغنا على قول الجمهور. وأما إذا قلنا بمذهب الفراء فإذا منصوبة بأن تحكموا هذه الملفوظ بها، لأنه يجير: يعجبني العسل أن يشرب، فتقدم معمول صلة أن عليها.
* (إن الله نعما يعظكم به) * أصله: معم ما، وما معرفة تامة على مذهب سيبويه والكسائي. كأنه قال: نعم الشيء يعظكم به، أي شيء يعظكم به. ويعظكم صفة لشيء، وشئ هو المخصوص بالمدح وموصولة على مذهب الفارسي في أحد قوليه. والمخصوص محذوف التقدير: نعم الذي يعظكم به تأدية الأمانة والحكم بالعدل، ونكرة في موضع نصب على التمييز و يعظكم صفة له على مذهب الفارسي في أحد قوليه، والمخصوص محذوف تقديره كتقدير ما قبله. وقد تأولت ما هنا على كل هذه الأقوال، وتحقيق ذلك في علم النحو. وقال ابن عطية: وما المردفة على نعم إنما هي مهيئة لاتصال الفعل بها كما هي في ربما، ومما في قوله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) مما يحرك شفتيه وكقول الشاعر