تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٩٦
مندرج في عموم قوله: * (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) * ومعنى وجدوا: علموا، أي: بإخباره أنه قبل توبتهم ورحمهم.
وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه: فائدة ضم استغفار الرسول إلى استغفارهم بأنهم بتحاكمهم إلى الطاغوت خالفوا حكم الله، وأساءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم)، فوجب عليهم أن يعتذروا ويطلبوا من الرسول الاستغفار، أو لما لم يرضوا بحكم الرسول ظهر منهم التمرد، فإذا تابوا وجب أن يظهر منهم ما يزيد التمرد بأن يذهبوا إلى الرسول ويطلبوا منه الاستغفار، أو إذا تابوا بالتوبة أتوا بها على وجه من الخلل، فإذا انضم إليها استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم) صارت مستحقة. والآية تدل على قبول توبة التائب لأنه قال بعدها: * (لوجدوا الله) * وهذا لا ينطبق على ذلك الكلام إلا إذا كان المراد من قوله: * (توابا رحيما) * قبول توبته انتهى. وروي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبره وحثا من ترابه على رأسه ثم قال:
* يا خير من دفنت في الترب أعظمه * فطاب من طيبهن القاع والأكم * نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم * ثم قال: قد قلت: يا رسول الله فسمعنا قولك، ووعيت عن الله فوعينا عنك، وكان فيما أنزل الله عليك ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك الآية، وقد ظلمت نفسي وجئت أستغفر الله ذنبي، فاستغفر لي من ربي، فنودي من القبر أنه قد غفر لك.
* (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) * قال مجاهد وغيره: نزلت فيمن أراد التحاكم إلى الطاغوت. ورجحه الطبري لأنه أشبه بنسف الآيات. وقيل: في شأن الرجل الذي خاصم الزبير في السقي بماء الحرة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم) قال: (اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك) فغضب وقال: (إن كان ابن عمتك، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم) واستوعب للزبير حقه فقال: احبس يا زبير الماء حتى يبلغ الجدر، ثم أرسل الماء). والرجل هو من الأنصار بدري. وقيل: هو حاطب بن أبي بلتعة. وقيل: نزلت نافية لإيمان الرجل الذي قتله عمر، لكونه رد حكم النبي صلى الله عليه وسلم)، ومقيمة عذر عمر في قتله، قال النبي صلى الله عليه وسلم): (ما كنت أظن أن عمر يجترىء على قتل رجل مؤمن). وأقسم بإضافة الرب إلى كاف الخطاب تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم)، وهو التفات راجع إلى قوله: * (* جاؤوك) * ولا في قوله: فلا. قال الطبري: هي رد على ما تقدم تقديره: فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، ثم استأنف القسم بقوله: وربك لا يؤمنون. وقال غيره: قدم لا على القسم اهتماما بالنفي، ثم كررها بعد توكيدا للاهتمام بالنفي، وكان يصح إسقاط لا الثانية، ويبقى أكثر الاهتمام بتقديم الأولى، وكان يصح إسقاط الأولى ويبقى معنى النفي، ويذهب معنى الاهتمام. وقيل: الثانية زائدة، والقسم معترض بين حرف النفي والمنفي. وقال
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»