تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٩٥
بالتفاف الأغصان. وقد تقدم ذكر هذه المادة في البقرة وأعيدت لمزيد الفائدة.
نفر الرجل ينفر نفيرا، خرج مجدا بكسر الفاء في المضارع وضمها، وأصله الفزع، يقال: نفر إليه إذا فزع إليه، أي طلب إزالة الفزع. والنفير النافور، والنفر الجماعة. ونفرت الدابة تفر بضم الفاء نفورا أي هربت باستعجال.
الثبة: الجماعة الاثنان والثلاثة في كلام العرب قاله: الماتريدي. وقيل: هي فوق العشرة من الرجال، وزنها فعلة. ولامها قيل: واو، وقيل: ياء، مشتقة من تثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه، كأنك جمعت محاسنه. ومن قال: إن لامها واو، جعلها من ثبا يثبو مثل حلا يحلو. وتجمع بالألف والتاء وبالواو والنون فتضم في هذا الجمع تاؤها، أو تكسر وثبة الحوض وسطه الذي يثوب الماء إليه، المحذوف منه عينه، لأنه من ثاب يثوب، وتصغيره ثويبة كما تقول في سه سييهة، وتصغير تلك ثبية. البطء التثبط عن الشيء. يقال: أبطأ وبطؤ مثل أسرع وسرع مقابله، وبطآن اسم فعل بمعنى بطؤ.
* (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) * نبه تعالى على جلالة الرسل، وأن العالم يلزمهم طاعتهم، والرسول منهم تجب طاعته. ولام ليطاع لام كي، وهو استثناء مفرغ من المفعول من أجله أي: وما أرسلنا من رسول بشيء من الأشياء إلا لأجل الطاعة. وبإذن الله أي بأمره، قاله: ابن عباس. أو بعلمه وتوفيقه وإرشاده. وحقيقة الإذن التمكين مع العلم بقدر ما مكن فيه. والظاهر أن بإذن الله متعلق بقوله: ليطاع. وقيل: بأرسلنا أي: وما أرسلنا بأمر الله أي: بشريعته، ودينه وعبادته من رسول إلا ليطاع. قال ابن عطية: وعلى التعليقين فالكلام عام اللفظ، خاص المعنى، لأنا نقطع أن الله تبارك وتعالى قد أراد من بعض خلقه أن لا يطيعوه، ولذلك خرجت طائفة معنى الإذن إلى العلم، وطائفة خرجته إلى الإرشاد لقوم دون قوم، وهو تخريج حسن. لأن الله إذا علم من أحد أنه يؤمن وفقه لذلك، فكأنه أذن له انتهى. ولا يلزم ما ذكره من أن الكلام عام اللفظ خاص المعنى، لأن قوله: ليطاع مبني للمفعول الذي لم يسم فاعله، ولا يلزم من الفاعل المحذوف أن يكون عاما، فيكون التقدير: ليطيعه العالم، بل المحذوف ينبعي أن يكون خاصا ليوافق الموجود، فيكون أصله: إلا ليطيعه من أردنا طاعته. وقال عبد الله الرازي: والآية دالة على أنه لا رسول إلا ومعه شريعة ليكون مطاعا في تلك الشريعة، ومتبوعا فيها، إذ لو كان لا يدعو إلا إلى شرع من قبله لم يكن هو في الحقيقة مطاعا، بل المطاع هو الرسول المتقدم الذي هو الواضع لتلك الشريعة، والله تعالى حكم على كل رسول بأنه مطاع انتهى. ولا يعجبني قوله: الواضع لتلك الشريعة، والأحسن أن يقال: الذي جاء بتلك الشريعة من عند الله.
* (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) * ظلموا أنفسهم بسخطهم لقضائك أو بتحاكمهم إلى الطاغوت، أو بجميع ما صدر عنهم من المعاصي. جاؤوك فاستغفروا الله بالإخلاص، واعتذروا إليك. واستغفر لهم الرسول أي: شفع لهم الرسول في غفران ذنوبهم. والعامل في إذ جاؤوك، والتفت في قوله: واستغفر لهم الرسول، ولم يجيء على ضمير الخطاب في جاؤوك تفخيما لشأن الرسول، وتعظيما لاستغفاره، وتنبيها على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله تعالى بمكان، وعلى أن هذا الوصف الشريف وهو إرسال الله إياه موجب لطاعته، وعلى أنه
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»