تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٤٤
بالوالدين من العقوق. وقال ابن مسعود أيضا والنخعي: هي جميع ما نهى عنه من أول سورة النساء إلى ثلاثين آية منها، وهي: * (يسيرا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) * وقال ابن عباس أيضا فيما روي عنه: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع. وقال ابن عباس أيضا: الكبائر كل ما ورد عليه وعيد بنار، أو عذاب، أو لعنة، أو ما أشبه ذلك. وإلى نحو من هذا ذهب أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الفارسي القرطبي، قال: قد أطلت التفتيش عن هذا منذ سنين فصح لي أن كل ما توعد الله عليه بالنار فهو من الكبائر، ووجدناه عليه السلام قد أحل في الكبائر بنص لفظه أشياء غير التي ذكر في الحديث يعني الذي في البخاري فمنها، قول الزور، وعقوق الوالدين، والكذب عليه صلى الله عليه وسلم)، وتعريض المرء أبويه للسب بأن يسب آباء الناس، وذكر عليه السلام الوعيد الشديد بالنار على الكبر، وعلى كفر نعمة المحسن في الحق، وعلى النياحة في المآتم، وحلق الشعر فيها، وخرق الجيوب، والنميمة، وترك التحفظ من البول، وقطيعة الرحم، وعلى الخمر، وعلى تعذيب الحيوان بغير الذكاة لأكل ما يحل أكله منها أو ما أبيح أكله منها، وعلى لسان الإزار على سبيل التجوه، وعلى المنان بما يفعل من الخير، وعلى المنفق سلعته بالحلف الكاذب، وعلى المانع فضل مائه من الشارب، وعلى الغلول، وعلى متابعة الأئمة للدنيا فإن أعطوا منها وفي لهم وإن لم يعطوا منها لم يوف لهم، وعلى المقطتع بيمينه حق امرئ مسلم، وعلى الإمام الغاش لرعيته، ومن ادعى إلى غير أبيه، وعلى العبد الآبق، وعلى من غل، ومن ادعى ما ليس له، وعلى لاعن من لا يستحق اللعن، وعلى بغض الأنصار، وعلى تارك الصلاة، وعلى تارك الزكاة، وعلى بغض علي رضي الله عنه، ووجدنا الوعيد الشديد في نص القرآن قد جاء على الزناة، وعلى المفسدين في الأرض بالحرابة، فصح بهذا قول ابن عباس انتهى كلامه. عني قوله هي: إلى السبعين أقرب منها إلى السبع. وروي عن ابن عباس أنه قال: هي إلى سبعمائة أقرب، لأنه لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
وقد اختلف القائلون بأنه يكفر الصغائر باجتناب الكبائر، هل التكفير قطعي؟ أو غالب ظن؟ فجماعة من الفقهاء وأهل الحديث ذهبوا إلى أنه قطعي كما دلت عليه الآية والأحاديث، والأصوليون قالوا: هو على غلبة الظن، وقالوا: لو كان ذلك قطعيا لكانت الصغائر في حكم المباح يقطع بأن لا تبعة فيه، ووصف مدخلا بقوله: كريما ومعنى كرمه: فضيلته، ونفى العيوب عنه كما تقول: ثوب كريم، وفلان كريم المحتد. ومعنى تكفير السيئات إزالة ما يستحق عليها من العقوبات، وجعلها كأن لم تكن، وذلك مرتب على اجتناب الكبائر.
وقرأ ابن عباس وابن جبير: أن تجتنبوا كبير على الافراد، وقد ذكرنا من احتج به على أنه أريد الكفر. وأما من لم يقل ذلك فهو عنده جنس.
وقرأ المفضل عن عاصم: يكفر ويدخلكم بالياء على الغيبة.
وقرأ ابن عباس: من سيئاتكم بزيادة من.
وقرأ نافع: مدخلا هنا، وفي الحج بفتح الميم، ورويت عن أبي بكر. وقرأ باقي السبعة بضمها وانتصاب المضموم الميم إما على المصدر أي: إدخالا، والمدخل فيه محذوف أي: ويدخلكم الجنة إدخالا كريما. وإما على أنه مكان الدخول، فيجيء الخلاف الذي في دخل، أهي متعدية لهذه الأماكن على سبيل التعدية للمفعول؟ أم على سبيل الظرف؟ فإذا دخلت همزة النقل فالخلاف. وأما انتصاب المفتوح الميم فيحتمل أن يكون مصدر الدخل المطاوع لأدخل، التقدير: ويدخلكم فتدخلون دخولا كريما، وحذف فتدخلون لدلالة المطاوع عليه، ولدلالة مصدره أيضا. ويحتمل أن يراد به المكان، فينتصب إذ ذاك إما بيدخلكم، وإما بدخلتم المحذوفة على الخلاف، أهو مفعول به أو ظرف.
* (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) * قال قتادة والسدي: لما نزل * (للذكر مثل حظ الانثيين) * قال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»