تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١٦٨
نفعهما، وهو الالتذاذ بشرب الخمر، والقمار، والطرب فيهما، والتوصل بهما إلى مصادقات الفتيان ومعاشراتهم، والنيل من مطاعمهم ومشاربهم وأعطياتهم، وسلب الأموال بالقمار، والافتخار على الأبرام؛ وفي قراءة أبي: وإثمهما أقرب، ومعنى الكثرة أن: أصحاب الشرب والقمار يقترفون فيهما الآثام من وجوه كثيرة. انتهى كلام الزمخشري.
وقال ابن عباس، وسعد بن جبير، والضحاك، ومقاتل: إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم، وقيل: أكبر، لأن عقابه باق مستمر والمنافع زائلة، والباقي أكبر من الفاني.
* (يسئلونك عن الخمر والميسر قل) * تقدم هذا السؤال وأجيبوا هنا بذكر الكمية والمقدار، والسائل في هذه الآية، قيل: هو عمرو بن الجموح، وقيل: المؤمنون وهو الظاهر من واو الجمع.
والنفقة هنا قيل: في الجهاد، وقيل: في الصدقات، والقائلون في الصدقات، قيل: في التطوع وهو قول الجمهور، وقيل: في الواجب، والقائلون في الواجب، قيل: هي الزكاة المفروضة، وجاء ذكرها هنا مجملا، وفصلتها السنة. وقيل كان واجبا عليهم قبل فرض الزكاة أن ينفقوا ما فضل من مكاسبهم عن ما يكفيهم في عامهم، ثم نسخ ذلك بآية الزكاة.
والعفو: ما فضل الذي لا سرف فيه ولا تقصير، قاله الحسن، أو: الطيب الأفضل، قاله الربيع، أو: الكثير، من قوله * (حتى عفوا) * أي: كثروا، قال الشاعر:
* ولكنا يعض السيف منها * بأسوق عافيات اللحم كوم * أو: الصفو، يقال؛ أتاك عفوا، أي: صفوا بلا كدر، قال الشاعر:
* خذي العفو مني تستديمي مودتي * ولا تنطقي في سورتي حين أغضب أو: ما فضل عن ألف درهم، أو: قيمة ذلك من الذهب، وكان ذلك فرض عليهم قبل فرض الزكاة، قاله، قتادة. أو: ما فضل عن الثلث، أو: عن ما يقوتهم حولا لذوي الزراعة، وشهرا لذوي الفلاحة، أو: عن ما يقوته يومه للعامل بهذه، وكانوا مأمورين بذلك، فشق عليهم، ففرضت الزكاة، أو: الصدقة المفروضة، قاله مجاهد، و: ما لا يستنفد المال ويبقى صاحبه يسأل الناس، قاله الحسن أيضا.
* وقد روي في حديث الذي جاء يتصدق ببيضة من ذهب، حدف رسول الله صلى الله عليه وسلم) إياه بها، وقوله: (يجيء أحدكم بماله كله يتصدق به ويقعد يتكفف الناس ، إنما الصدقة على ظهر غنى). وفي حديث سعد: (لأن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس).
وقال الزمخشري: العفو نقيض الجهد، وهو أن ينفق ما لا يبلغ إنفاقه منه الجهد، واستفراغ الوسع؛ وقال ابن عطية: المعنى: أنفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تؤذوا فيه أنفسكم فتكونوا عالة؛ وقال الراغب: العفو متناول لما هو واجب ولما هو تبرع، وهو الفضل عن الغنى، وقال الماتريدي: الفضل عن القوت.
وقرأ الجمهور: العفو، بالنصب وهو منصوب بفعل مضمر تقديره: قل ينفقون العفو، وعلى هذا الأولى في قوله: ماذا ينفقون؟ أن يكون ماذا في موضع نصب ينفقون، ويكون كلها استفهامية، التقدير: أي شيء ينفقون؟ فأجيبوا بالنصب ليطابق الجواب السؤال.
ويجوز أن تكون ما استفهامية في موضع رفع بالابتداء، وذا موصولة بمعنى الذي، وهي خبره، ولا يكون ولا يكون إذ ذاك الجواب مطابقا للسؤال من حيث اللفظ، بل من حيث المعنى، ويكون العائد على الموصول محذوفا لوجود شرط الحذف فيه، تقديره: ما الذي ينفقونه؟.
وقرأ أبو عمر، و: قل العفو، بالرفع، والأولى إذ ذاك أن تكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: قل المنفق العفو، وأن يكون: ما، في موضع رفع بالابتداء، و: ذا، موصول، كما
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»