والجملة الابتدائية التي هي: لما آتيناكم، إلى آخره هي الجملة المتلقى بها ما أجرى مجرى القسم، وهو قوله: * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) *.
والقول الثالث: قاله بعض أهل العلم، وهو: أن تكون: ما، موصولة مفعولة بفعل جواب القسم، التقدير: لتبلغن ما آتيناكم من كتاب وحكمة، قال: إلا أنه حذف: لتبلغن، لدلالة عليه، لأن لام القسم إنما تقع على الفعل، فلما دلت هذه اللام على هذا الفعل حذف، ثم قال تعالى: * (ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم) * وهو محمد صلى الله عليه وسلم) * (لتؤمنن به ولتنصرنه) * وعلى هذا التقدير يستقيم النظم، انتهى. ويعني: يكون: لتؤمنن به، جواب قسم محذوف، وهذا بعيد جدا لا يحفظ من كلامهم، والله لزيدا تريد ليضربن زيدا.
والقول الرابع: قاله ابن أبي إسحاق، وهو: أن يكون: لما، تخفيف لما، والتقدير: حين آتيناكم، ويأتي توجيه قراءة التشديد.
وأما توجيه قراءة حمزة: فاللام هي للتعليل، و: ما، موصولة: بآتيناكم، والعائد محذوف. و: ثم جاءكم، معطوف على الصلة، والرابط لها بالموصول إما إضمار: به، على ما نسب إلى سيبويه، وإما هذا الظاهر الذي هو: لما معكم، لأنه في المعنى هو الموصول على مذهب أبي الحسن.
وقول الزمخشري: فجواب: أخذ الله ميثاق النبيين هو لتؤمنن به، والضمير في: به، عائد على رسول، ويجوز الفصل بين القسم والمقسم عليه بمثل هذا الجار والمجرور، لو قلت: أقسمت للخبر الذي بلغني عن عمر ولأحسنن إليه، جاز. وأجاز الزمخشري، في قراءة حمزة، أن تكون: ما، مصدرية، وبدأ به في توجيه هذه القراءة، قال: ومعناه لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به، على أن: ما، مصدرية، والفعلان معها أعني: آتيناكم وجاءكم، في معنى المصدرين، واللام داخلة للتعليل على معنى: أخذ الله ميثاقهم ليؤمنن بالرسول ولينصرنه لأجل أن آتيتكم الحكمة، وأن الرسول الذي أمرتكم بالإيمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف. انتهى كلامه. إلا أن ظاهر هذا التعليل الذي ذكره، وهذا التقدير الذي قدره، أنه تعليل للفعل المقسم عليه، فإن عنى هذا الظاهر فهو مخالف لظاهر الآية، لأن ظاهر الآية يقتضي أن يكون تعليلا لأخذ الميثاق لا لمتعلقة، وهو الإيمان. فاللام متعلقة بأخذ، وعلى ظاهر تقدير الزمخشري تكون متعلقة بقوله: لتؤمنن به، ويمتنع ذلك من حيث إن اللام المتلقى بها القسم لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. تقول: والله لأضربن زيدا، فلا يجوز: والله زيدا لأضربن، فعلى هذا لا يجوز أن تتعلق اللام في: لما، بقوله: لتؤمنن به.
وقد أجاز بعض النحويين في معمول الجواب، إذا كان ظرفا أو مجرورا، تقدمه، وجعل من ذلك عوض لا نتفرق، وقوله تعالى: * (عما قليل ليصبحن نادمين) * فعلى هذا يجوز أن تتعلق بقوله: لتؤمنن به، وفي هذه المسألة تفصيل يذكر في علم النحو.
وذكر السجاوندي، عن صاحب النظم: أن هذه اللام في قراءة حمزة هي بمعنى: بعد، كقول النابغة:
* توهمت آيات لها فعرفتها * لستة أعوام وذا العام سابع * فعلى ذا لا تكون اللام في: لما، للتعليل.
وأما توجيه قراءة سعيد بن جبير، والحسن: لما، فقال أبو إسحاق: أي لما آتاكم الكتاب والحكمة أخذ الميثاق، وتكون: لما، تؤول إلى الجزاء كما تقول: لما جئتني أكرمتك. انتهى كلامه.
قال ابن عطية: ويظهر أن: لما، هذه هي الظرفية، أي: لما كنتم بهذه الحال رؤساء الناس وأماثلهم أخذ عليكم الميثاق، إذ على القادة يؤخذ، فيجيء على هذا المعنى كالمعنى في قراءة حمزة.
وقال الزمخشري: لما، بالتشديد بمعنى: حين آتيتكم بعض الكتاب والحكمة ثم جاءكم رسول مصدق وجب عليكم الإيمان به ونصرته. انتهى. فاتفق ابن عطية والزمخشري على أن: لما