تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٥٣٠
أو: الحكيم التقي، قاله ابن جبير. أو: المعلم، قاله الزجاج. أو: العالم، قاله المبرد. أو: التائب لربه، قاله المؤرج. أو: الشديد التمسك بدين الله وطاعته، قاله الزمخشري. أو: العالم الحكيم الناصح لله في خلقه، قاله عطاء. أو: العالم العامل بعلمه، قاله ابن جبير. أو: العالم المعلم، قاله بعضهم. وهذه أقوال متقاربة.
وللصوفية في تفسيره أقوال كثيرة غير هذه، وقال مجاهد: الرباني فوق الحبر، لأن الحبر هو العالم، والرباني الذي جمع إلى العلم والفقه النظر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية وما يصلحهم في دينهم ودنياهم. وفي البخاري: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.
قال ابن عطية: فجملة ما يقال في الرباني: إنه العالم المصيب في التقدير من الأقوال والأفعال التي يحاولها في الناس انتهى. ولما مات ابن عباس قال محمد بن الحنفية: اليوم مات رباني هذه الآمة.
* (ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) * الباء للسبب، و: ما، الظاهر أنها مصدرية، و: تعلمون، متعد لواحد على قراءة الحرميين وأبي عمرو إذ قرؤوا بالتخفيف مضارع علم، فأما قراءة باقي السبعة بضم التاء وفتح العين وتشديد اللام المكسورة، فيتعدى إلى اثنين، إذ هي منقولة بالتضعيف من المتعدية إلى واحد، وأول المفعولين محذوف تقديره: تعلمون الناس الكتاب. وتكلموا في ترجيح أحد القراءتين على الأخرى، وقد تقدم أني لا أرى شيئا من هذه التراجيح، لأنها كلها منقولة متواترة قرآنا، فلا ترجيح في إحدى القراءتين على الأخرى.
وقرأ مجاهد، والحسن: تعلمون، بفتح التاء والعين واللام المشددة، وهو مضارع حذفت منه التاء، التقدير: تتعلمون، وقد تقدم الخلاف في المحذوف منهما.
وقرأ أبو حيوة: تدرسون بكسر الراء. وروي عنه: تدرسون، بضم التاء وفتح الدال وكسر الراء المشددة أي: تدرسون غيركم العلم، ويحتمل أن يكون التضعيف للتكثير لا للتعدية. وقرئ: تدرسون، منن أدرس بمعنى درس نحو: أكرم وكرم، و: أنزل نزل، وقال الزمخشري: أوجب أن تكون الرئاسة التي هي قوة التمسك بطاعة الله مسببة عن العلم والدراسة، وكفى به دليلا على خيبة سعى من جهد نفسه وكد روحه في جمع العلم، ثم لم يجعله ذريعة إلى العمل، فكان مثل من غرس شجرة حسناء تونقه بمنظرها ولا تنفعه بثمرها، ثم قال أيضا، بعد أسطر: وفيه أن من علم ودرس العلم ولم يعمل به فليس من الله في شيء، وأن السبب بينه وبين ربه منقطع حيث لم تثبت النسبة إليه إلا للمتمسكين بطاعته. انتهى كلامه. وفيه دسيسة الاعتزال، وهو أنه: لا يكون مؤمنا عالما إلا بالعمل، وأن العمل شرط في صحة الإيمان.
2 (* (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) *)) 2 * (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) * قرأ الحرميان، والنحويان، والأعشى والبرجمي: برفع الراء على القطع، ويختلس أبو عمرو الحركة على أصله، والفاعل ضمير مستكن في يأمر عائد على الله، قاله سيبويه، والزجاج. وقال ابن جريج: عائد على: بشر، الموصوف بما سبق، وهو محمد صلى الله عليه وسلم)، والمعنى على هذه القراءة: أنه لا يقع من بشر موصوف بما وصف به أن يجعل نفسه ربا فيعبد، ولا هو أيضا يأمر باتخاذ غيره من ملائكة وأنبياء أربابا، فانتفى أن يدعو لنفسه ولغيره. وإن كان الضمير عائدا على الله فيكون إخبارا من الله أنه لم يأمر بذلك، فانتفى أمر الله بذلك، وأمر أنبيائه.
وقرأ عاصم وابن عامر، وحمزة ولا يأمركم، بنصب الراء، وخرجه أبو علي وغيره على أن يكون المعنى: ولا له أن يأمركم، فقدروا: أن، مضمرة بعد: لا، وتكون: لا، مؤكدة معنى النفي السابق، كما تقول: ما كان من زيد إتيان ولا قيام. وأنت تريد انتفاء كل واحد منهما عن زيد، فلا للتوكيد في النفي السابق، وصار المعنى: ما كان من زيد إتيان ولا منه قيام.
وقال الطبري قوله: ولا يأمركم، بالنصب معطوف على
(٥٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 525 526 527 528 529 530 531 532 533 534 535 ... » »»