تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٥٣٦
عن أبي بكر عن عاصم، فيحتمل أن يكون ذلك لغة في: اصر، كما قالوا: اناقة أسفار عبر، وعبر أسفار، وهي المعدة للأسفار. ويحتمل أن يكون جمعا لإصار، كإزار وأزر ومعنى الأخذ هنا: القبول.
* (قالوا أقررنا) * معناه أقررنا بالإيمان به وبنصرته، وقبلنا ذلك والتزمناه. وثم جملة محذوفة أي: أقررنا وأخذنا على ذلك الإصر، وحذفت لدلالة ما تقدم عليها.
* (قال فاشهدوا) * الظاهر أنه تعالى قال للنبيين المأخوذ عليهم الميثاق: فاشهدوا، ومعناه من الشهادة أي: ليشهد بعضكم على بعض بالإقرار وأخذ الإصر، قاله مقاتل. وقيل: فاشهدوا هو خطاب لملائكة، قاله ابن المسيب. وقيل: معنى: فاشهدوا، بينوا هذا الميثاق للخاص والعام لكيلا يبقى لأحد عذر في الجهل به، وأصله: أن الشاهد هو الذي يبين صدق الدعوى، قاله الزجاج، ويكون: اشهدوا، بمعنى: أدوا، لا يمعنى: تحملوا. وقيل: معناه استيقنوا ما قررته عليكم من هذا الميثاق وكونوا فيه كالمشاهد للشيء المعاين له، قاله ابن عباس. وقيل: فاشهدوا، خطاب للأنبياء إذا قلنا: إن أخذ الميثاق كان على أتباعهم أمروا بأن يكونوا شاهدين على أممهم، وروي هذا عن علي بن أبي طالب.
وعلى القول: بأن المعنى في: قال أأقررتم، أي: قال كل نبي، يكون المعنى على بكل نبي لأمته فاشهدوا، أي: ليشهد بعضكم على بعض. وقوله: فاشهدوا، معطوف على محذوف التقدير، قال: أأقرتم فاشهدوا، فالفاء دخلت للعطف. ونظير ذلك قوله: ألقيت زيدا؟ قال: فأحسن إليه. التقدير: لقيت زيدا فأحسن إليه، فما فيه الفاء بعض المقول، ولا يجوز أن يكون كل المقول لأجل الفاء، ألا ترى قال: أأقررتم، وقوله: قالوا أقررنا؟ لما كان كل المقول لم تدخل بالفاء.
* (وأنا معكم من الشاهدين) * يحتمل الاسئناف على سبيل بالتوكيد، ويحتمل أن يكون جملة حالية 2 (* (فمن تولى بعد ذالك فأولائك هم الفاسقون) *)) 2 * (فمن تولى بعد ذالك فأولئك هم الفاسقون) * أي: من أعرض عن الإيمان بهذا الرسول، وعن نصرته بعد أخذ الميثاق والإقرار والتزام العهد، قاله علي بن أبي طالب وغيره. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يريد بعد الشهادة عند الأمم بهذا الميثاق، على أن قوله تعالى: فاشهدوا، أمر بالأداء.
و: من، الظاهر أنها شرط، والجملة من: فأولئك وما بعده جزاء، ويحتمل أن تكون موصولة، وأعاد الضمير في: تولى، مفردا على لفظ: من وجمع في: فأولئك، حملا على المعنى، وهذه: ذلك الجملة تدل عل أن الذين أخذ منهم الميثاق هم أتباع الأنبياء، لأنه حكم تعالى بالفسق على من تولى بعد ذلك، وهذا الحكم لا يليق إلا بأمم الأنبياء، وأيضا فالأنبياء، عليهم السلام، كانوا أمواتا عند مبعثه صلى الله عليه وسلم)، يعلمنا أن المأخوذ عليهم الميثاق هم أممهم.
وذكروا في هذه الآية أنواعا من الفصاحة. منها: الطباق: في: بقنطار وبدينار، إذ أريد بهما القليل والكثير، وفي: يؤده ولا يؤده، لأن الأداء معناه الدفع وعدمه معناه المنع، وهما ضدان، وفي قوله: بالكفر ومسلمون، والتجنيس المغاير في: اتقى والمتقين، وفي: فاشهدوا والشاهدين، والتجنيس المماثل في: ولا يأمركم أيأمركم، وفي: أقررتم وأقررنا. والإشارة في قوله: ذلك بأنهم، وفي أولئك لا خلاق لهم. والسؤال والجواب، وهو في: قال أأقررتم؟ ثم: قالوا أقررنا. والاختصاص في: يحب المتقين، وفي يوم القيامة، اختصه بالذكر لأنه اليوم الذي تظهر فيه مجازاة الأعمال. والتكرار في: يؤده ولا يؤده، وفي اسم الله في مواضع، وفي: من الكتاب وما هو من الكتاب. والاستعارة في: يشترون بعهد الله. والالتفات في: لما آتيتكم، وهو خطاب بعد قوله: النبيين، وهو لفظ غائب. والحذف في عدة مواضع تقدمت.
(٥٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 ... » »»