الله) * عبادا جمع عبد. قال ابن عطية: ومن جموعه: عبيد وعبدي. قال بعض اللغويين: هذه الجموع كلها بمعنى. وقال قوم: العباد لله والعبيد للبشر. وقال قوم: العبدي إنما يقال في العبيد بني العبيد، كأنه مبالغة تقتضى الاستغراق في العبودية.
والذي استقرئت في لفظة: العباد، أنه جمع عبد، متى سيقت اللفظة في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير وتصغير الشأن فانظر قوله تعالى: * (والله رءوف بالعباد) * * (وعباد * مكرمون) * * (قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم) * وقول عيسى في معنى الشفاعة والتعريض * (إن تعذبهم فإنهم عبادك) *.
وأما: العبيد، فيستعمل في التحقير، ومنه قول امرئ القيس:
* قولا لدودان عبيد العصا * ما غركم بالأسد الباسل * ومنه قول حمزة بن عبد المطلب: وهل أنتم إلا عبيد لأبي، ومنه * (وما ربك بظلام للعبيد) * لأنه مكان تشقيق وإعلام بقلة انتصارهم ومقدرتهم، وأنه تعالى ليس بظلام لهم مع ذلك، ولما كانت لفظة العباد تقتضي الطاعة، لم يقع هنا، ولذلك أنس بها في قوله: * (قل ياأهل * عبادى * الذين أسرفوا على أنفسهم) * فهذا النوع من النظر يسلك بك سبيل العجائب في حيز فصاحة القرآن العزيز على الطريقة العربية السليمة، ومعنى قوله: * (كونوا عبادا لى من دون الله) * اعبدوني واجعلوني إلها. انتهى كلام ابن عطية. وفيه بعض مناقشة.
أما قوله: ومن جموعه: عبيد وعبدي، أما عبيد فالأصح أنه جمع. وقيل: اسم جمع، و: أما عبدبي فاسم جمع، وألفاء للتأنيث. وأما ما استقرأه أن عبادا يساق في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير والتصغير، وإيراده ألفاظا في القرآن بلفظ العباد، وقوله: وأما العبيد فيستعمل في تحقير، وأنشد بيت أمرىء القيس، وقول حمزة وقوله تعالى * (بظلام للعبيد) * فليس باستقراء صحيح، وإنما كثر استعمال: عباد، دون: عبيد، لأن فعالا في جمع فعل غير اليائي العين قياس مطرد، وجمع فعل على فعيل لا يطرد.
قال سيبويه: وربما جاء فعيلا وهو قليل، نحو: الكليب والعبيد. انتهى.
فلما كان فعال هو المقيس في جمع: عبد، جاء: عباد، كثيرا. وأما * (وما ربك بظلام للعبيد) * فحسن مجيئه هنا وإن لم يكن مقيسا أنه جاء لتواخي الفواصل، ألا ترى أن قبله * (أولئك ينادون من مكان بعيد) * وبعده * (قالوا ءاذناك ما منا من شهيد) * فحسن مجيئه بلفظ العبيد مواخاة هاتين الفاصلتين، ونظير هذا قوله في سورة ق: * (وما أنا بظلام للعبيد) * لأن قبله * (قال لا تختصموا لدى قدمت إليكم بالوعيد) * وبعده * (يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد) * وأما مدلوله فمدلول: عباد، سواء.
وأما بيت امرئ القيس فلم يفهم التحقير من لفظ: عبيد، إنما فهم من إضافتهم إلى العصا، ومن مجموع البيت. وكذلك قول حمزة إنما فهم منه معنى التحقير من قرينة الحال التي كان عليها، وأتى في البيت، وفي وقول حمزة على أحد الجائزين.
وقرأ الجمهور: ثم يقول، بالنصب عطفا على: أن يؤتيه، وقرأ شبل عن ابن كثير، ومحبوب عن أبي عمرو: بالرفع على القطع أي: ثم هو يقول. وقرأ الجمهور: عبادا لي، بتسكين ياء الإضافة. وقرأ عيسى بن عمر: بفتحها.
* (ولاكن كونوا) * هذا على إضمار القول تقديره: ولكن يقول كونوا ربانيين، والرباني الحكيم العالم، قاله قتادة، وأبو رزين. أو: الفقيه، قاله علي، وابن عباس، والحسن، ومجاهد. أو: العالم الحليم، قاله قتادة وغيره. أو: الحكيم الفقيه، قاله ابن عباس. أو: الفقيه العالم، قاله الحسن، والضحاك. أو: والي الأمر يربيهم ويصلحهم، قاله ابن زيد.