تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٥٣٣
جواب القسم عليه، وكذلك في الآية جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه، والضمير في: به، عائد على: رسول، وهذا القول، وهو أن: ما، شرطية هو قول الكسائي.
وسأل سيبويه الخليل عن هذه الآية فقال ما نصه: ما، ههنا بمنزلة: الذي، ودخلت اللام كما دخلت على: إن، حين قلت: والله لئن فعلت لأفعلن، فاللام في: ما، كهذه التي في: أن، واللام التي في الفعل كهذه التي في الفعل هنا انتهى ثم قال سيبويه: ومثل ذلك * (لمن تبعك منهم لاملان جهنم) * إنما دخلت اللام على نية اليمين انتهى.
وقال أبو علي: لم يرد الخليل بقوله: بمنزلة الذي أنها موصولة، بل أنها اسم، كما أن الذي اسم وأقر أن تكون حرفا كما جاءت حرفا: * (وإن كلا لما ليوفينهم) * وفي قوله: * (وإن كل ذلك لما متاع) * انتهى. وتحصل من كلام الخليل وسيبويه أن: ما، في: لما أتيتكم، شرطية وقد خرجها على الشرطية غير هؤلاء: كالمازني، والزجاج، وأبي علي، والزمخشري، وابن عطية وفيه خدش لطيف جدا، وهو أنه: إذا كانت شرطية كان الجواب محذوفا لدلالة جواب القسم عليه، وإذا كان كذلك فالمحذوف من جنس المثبت، ومتعلقاته متعلقاته، فإذا قلت: والله لمن جاءني لأكرمنه، فجواب: من، محذوف، التقدير: من جاءني أكرمه. وفي الآية اسم الشرط: ما، وجوابه محذوف من جنس جواب القسم، وهو الفعل المقسم عليه، ومتعلق الفعل هو ضمير الرسول بواسطة حرف الجر لا ضمير: ما، المقدر، فجواب: ما، المقدر إن كان من جنس جواب القسم فلا يجوز ذلك، لأنه تعد. والجملة الجوابية إذ ذاك من ضمير يعود على اسم الشرط، وإن كان من غير جنس جواب القسم فيكف يدل عليه جواب القسم وهو من غير جنسه وهو لا يحذف إلا إذا كان من جنس جواب القسم؟ ألا ترى أنك لو قلت: والله لئن ضربني زيد لأضربنه؟ فكيف تقدره: إن ضربني زيد أضربه؟ ولا يجوز أن يكون التقدير: والله إن ضربني زيد أشكه لأضربنه، لأن: لأضربنه، لا يدل على: أشكه، فهذا ما يرد على قول من خرج: ما، على أنها شرطية.
وأما قول الزمخشري: ولتؤمنن، ساد مسد جواب القسم، والشرط جميعا فقول ظاهره مخالف لقول من جعل: ما، شرطية، لأنهم نصوا على أن جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه، اللهم إن عنى أنه من حيث تفسير المعنى لا تفسير الإعراب يسد مسدهما، فيمكن أن يقال؛ وأما من حيث تفسير الإعراب فلا يصح، لأن كلا منهما، أعني: الشرط والقسم، يطلب جوابا على حدة، ولا يمكن أن يكون هذا محمولا عليهما، لأن الشرط يقتضيه على جهة العمل فيه، فيكون في موضع جزم، والقسم يطلبه على جهة التعلق المعنوي به بغير عمل فيه، فلا موضع له من الإعراب. ومحال أن يكون الشيء الواحد له موضع من الإعراب ولا موضع له من الإعراب.
والقول الثاني: قاله أبو علي الفارسي وغيره، وهو: أن تكون: ما، موصولة مبتدأة، وصلتها: آتيناكم، والعائد محذوف تقديره: آتيناكموه، و: ثم جاءكم، معطوف على الصلة، والعائد منها على الموصول محذوف تقديره: ثم جاءكم رسول به، فحذف لدلالة المعنى عليه، هكذا خرجوه، وزعموا أن ذلك على مذهب سيبويه، وخرجوه على مذهب الأخفش: أن الربط لهذه الجملة العارية عن الضمير حصل بقوله: لما معكم، لأنه هو الموصول، فكأنه قيل: ثم جاءكم رسول مصدق له، وقد جاء الربط في الصلة بغير الضمير، إلا أنه قليل: روي من كلامهم: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري، يريدون: رويت عنه وقال:
* فيا رب ليلى أنت في كل موطن * وأنت الذي في رحمة الله أطمع * يريد في رحمته أطمع.
وخبر المبتدأ، الذي هو: ما، الجملة من القسم المحذوف وجوابه، وهو: لتؤمنن به، والضمير في: به، عائد على الموصول المبتدأ، ولا يعود على: رسول، لئلا تخلو الجملة التي وقعت خبرا عن المبتدأ من رابط يربطها به،
(٥٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 528 529 530 531 532 533 534 535 536 537 538 ... » »»