وتضمنت هذه الآية من ضروب الفصاحة: التكرار في: اصطفاك، وفي: يا مريم، وفي: ما كنت لديهم. قيل: والتقديم والتأخير في: واسجدي واركعي، على بعض الأقوال. والأشتعارة، فيمن جعل القنوعت والسجود والركوع ليس كناية عن الهيئات التي في الصلاة، والإشارة بذلك من أنباء الغيب، والعموم المراد به الخصوص في نساء العالمين على أحد التفسيرين، والتشبيه في أقلامهم، إذا قلنا إنه أراد القداح. والحذف على عدة مواضع.
* (إذ قالت الملئكة يامريم * مريم * إن الله يبشرك بكلمة منه) * العامل في: إذا، اذكر أو: يختصمون، أو إذ، بدل من إذ، في قوله: إذ يختصمون، أو من: وإذ قالت الملائكة، أقوال يلزم في القولين المتوسطين اتحاد زمان الاختصام وزمان قول الملائكة، وهو بعيد، وهو قول الزجاج. ويبعد الرابع لطول الفصل بين البدل والمبدل منه. والرابع اختيار الزمخشري وبه بدأ.
والخلاف في الملائكة: أهم جمع من الملائكة أو جبريل وحده على ما سبق قبل في خطابهم لزكريا ولمريم؟ وتقدم تكليم الملائكة قبل هذا التبشير بذكر الاصطفاء والتطهير من الله، وبالأمن بالعبادة له على سبيل التأنيس واللطف، ليكون ذلك مقدمة لهذا التبشضير بهذا الأمر العجيب الخارق الذي لم يجر لامرأة قبلها، ولا يجري لامرأة بعدها، وهو أنها تحمل من غير مس ذكر لها، وكان جرى ذلك الخارق من رزق الله لها أيضا تأنيسا لهذا الخارق.
وقرأ ابن مسعود، وابن عمر: وإذ قال الملائكة.
والكلمة من الله هو عيسى عليه السلام، سمي كلمة لصدوره بكلمة: كن، بلا أب. قاله قتادة. وقيل: لتسميته المسيح، وهو كلمة من الله أي: من كلام الله. وقيل: لوعد الله به في كتابه التوراة والكتب السابقة. وفي التوراة: أتانا الله من سيناء، وأشرق من ساعر، واستعلن من جبال فاران. وساعر هو الموضع الذي بعث منه المسيح. وقيل: لأن الله يهدي بكلمته. وقيل: لأنه جاء على وفق كلمة جبريل، وهو: * (إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا) * فجاء على الصفة التي وصف. وقيل: سماه الله بذلك كما سمى من شاء من سائر خلقه بما شاء من الأسماء، فيكون على هذا علما موضوعا له لم تلحظ فيه جهة مناسبة. وقيل: الكلمة هنا لا يراد بها عيسى، بل الكلمة بشارة الملائكة لمريم بعيسى. وقيل: بشارة النبي لها.
* (اسمه المسيح عيسى * ابن مريم) * الضمير في اسمه، عائد على: الكلمة، على معنى: نبشرك بمكون منه، أو بموجود من الله. وسمي: المسيح، لأنه مسح بالبركة، قاله الحسن، وسعيد، وشمر. أو: بالدهن الذي يمسح به الأنبياء، خرج من بطن أمه ممسوحا به، وهو دهن طيب الرائحة إذا مسح به شخص علم أنه نبي. أو: بالتطهير من الذنوب، أو: بمسح جبريل له بجناحه أو: لمسح رجليه فليس فيهما خمص، والأخمص ما تجافى عن الأرض من باطن الرجل، وكان عيسى أمسح القدم لا أخمص له. قال الشاعر: