* كيف أصبحت كيف أمسيت مما * يزرع الود في فؤاد الكريم؟
* أي: مجموع هذا مما يزرع الود، فلما جاز في المبتدأ أن يتعدد دون حرف عطف إذا كان المعنى على المجموع، كذلك يجوز في الخبر. وأجاز أبو البقاء أن يكون: ابن مريم، خبر مبتدأ محذوف أي: هو ابن مريم، ولا يجوز أن يكون بدلا مما قبله، ولا صفة لأن: ابن مريم، ليس باسم. ألا ترى أنك لا تقول: اسم هذا الرجل ابن عمرو إلا إذا كان علما عليه؟ إنتهى.
قال بعضهم: ومن قال إن المسيح صفة لعيسى، فيكون في الكلام تقديم وتأخير تقديره: اسمه عيسى المسيح، لأن الصفة تابعة لموصوفها. إنتهى. ولا يصح أن يكون المسيح في هذا التركيب صفة، لأن المخبر به على هذا اللفظ، والمسيح من صفة المدلول لا من صفة الدال، إذ لفظ عيسى ليس المسيح.
ومن قال: إنهما اسمان تقدم المسيح على عيسى لشهرته. قال ابن الأنباري: وإنما بدأ بلقبه لأن: المسيح، أشهر من: عيسى، لأنه قل أن يقع على سمي يشتبه، وعيسى قد يقع على عدد كثير، فقدمه لشهرته. ألا ترى أن ألقاب الخلفاء أشهر من أسمائهم؟ وهذا يدل على أن المسيح عند ابن الأنباري لقب لا اسم.
قال الزجاج: وعيسى معرب من: ايسوع، وإن جعلته عربيا لم ينصرف في معرفة ولا نكرة لأن فيه ألف تأنيث، ويكون مشتقا من: عاسه يعوسه، إذا ساسه وقام عليه.
وقال الزبمخشري: مشتق من العيس كالرقم في الماء.
* (وجيها في الدنيا والاخرة) * قال ابن قتيبة: الوجيه ذو الجاه، يقال: وجه الرجل يوجه وجاهة. وقال ابن دريد: الوجيه المحب المقبول. وقال الأخفش: الشريف ذو القدر والجاه. وقيل: الكريم على من يسأله، لأنه لا يرده لكرم وجهه.
ومعناه في حق عيسى أن وجاهته في الدنيا بنبوته، وفي الآخرة بعلو درجته. وقيل: في بالدنيا بالطاعة، وفي الآخرة بالشفاعة. وقيل: في الدنيا بإحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص، وفي الآخرة بالشفاعة. وقيل: في الدنيا كريما لا يرد وجهه، وفي الآخرة في علية المرسلين. وقال الزمشخري: الوجاهة في الدنيا النبوة والتقدم على الناس، وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة في الجنة. وقال ابن عطية: وجاهة عيسى في الدنيا نبوته وذكره ورفعه، وفي الآخرة مكانته ونعميه وشفاعته.
* (ومن المقربين) * معناه من الله تعالى. وقال الزمخشري: وكونه من المقربين رفع إلى السماء وصحبته الملائكة. وقال قتادة: ومن المقربين عند الله يوم القيامة. وقيل: من الناس بالقبول والإجابة، قاله الماوردي. وقيل: معناه: المبالغ في تقريبهم، لأن فعل من صغ المبالغة، فقال: قربه يقربه إذا بالغ في تقريبه إنتهى. وليس فعل هنا من صبغ المبالغة، لأن التضعيف هنا للتعدية، إنما يكون للمبالغة في نحو: جرحت زيدا و: موت الناس.
* (ومن المقربين) * معطوف على قوله: وجيها، وتقديره: ومقربا من جملة المقربين.
أعلم تعالى أن ثم مقربين، وأن عيسى منهم. ونظير هذا العطف قوله تعالى: * (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وباليل) * فقوله: وبالليل، جار ومجرور في موضع الحال، وهو معطوف على: مصبحين، وجاءت هذه الحال هكذا لأنها من الفواصل، فلو جاء: ومقربا، لم تكن فاصلة، وأيضا فأعلم تعالى أن عيسى مقرب من جملة المقربين، والتقريب صفة جليلة عظيمة. ألا ترى إلى قوله: * (ولا الملئكة المقربون) *؟ وقوله: * (فأما إن كان من المقربين * فروح) * وهو تقريب من الله تعالى بالمكانة والشرف وعلو المنزلة.
* (ويكلم الناس فى المهد وكهلا) * وعطف: ويكلم، وهو حال أيضا على: وجيها، ونظيره: * (إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن) * أي: وقابضات. وكذلك: ويكلم، أي: ومكلما. وأتى في الحال الأولى بالاسم لأن الاسم