تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٤٩١
* تراك أمكنة إذا لم أرضها * أو ترتبط بعض النفوس حمامها * ليس بصحيح، لأن بعضا على مدلوله، إذ يريد نفسه، فهو تبعيض صحيح، وكذلك استدلال من استدل بقوله:
* إن الأمور إذا الأحداث دبرها * دون الشيوخ ترى في بعضها خللا لصحة التبعيض، إذ ليس كل ما دبره الأحداث يكون فيه الخلل. وقال بعضهم: لا يقوم: بعض، مقام: كل إلا إذل دلت قرينة على ذلك، نحو قوله:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض يريد: بعض الشر أهون من كله. إنتهى. وفي ذكل نظر.
واللام في: ولأحل لكم، لام كي، ولم يتقدم ما يسوغ عطفه عليه من جهة اللفظ، فقيل: هو معطوف على المعنى، إذ المعنى في: ومصدقا، أي: لأصدق ما بين يدي من التوراة، ولأحل لكم. وهذا هو العطف على التوهم، وليس هذا منه، لأن معقولية الحال مخالفة لمعقولية التعليل، والعطف على التوهم لا بد أن يكون المعنى متحدا في المعطوف والمعطوف عليه. ألا ترى إلى قوله: فأصدق وأكن كيف اتحد المعنى من حيث الصلاحية لجواب التحضيض؟ وكذلك قوله:
* تقي نقي لم يكثر غنيمة * بنكهة ذي قربى ولا بحفلد * كيف اتحد معنى النفي في قوله: لم يكثر، ولا في قوله: ولا بحفلد؟ أي: ليس بمكثر ولا بحفلد. وكذلك ما جاء من هذا النوع. وقيل: اللام تتعلق بفعل مضمر بعد الواو يفسره المعنى: أي وجئتكم لأحل لكم. وقيل: تتعلق اللام بقوله: وأطيعون، والمعنى: واتبعون لأحل لكم، وهذا بعيد جدا. وقال أبو البقاء: هو معطوف على محذوف تقديره: لأخفف عنكم، أو نحو ذلك.
وقال الزمخشري: ولأحل، رد على قوله: بآية من ربكم، أي: جئتكم بآية من ربكم، لأن: بآية، في موضع حال، و: لأحل، تعليل، ولا يصح عطف التعليل على الحال لأن العطف بالحرف المشترك في بالحكم يوجب التشريك في جنس المعطوف عليه، فإن عطفت على مصدر، أو مفعول به، أو ظرف، أو حال، أو تعليل، أو غير ذلك شاركه في ذلك المعطوف.
* (وجئتكم بأية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون * إن الله ربى وربكم فاعبدوه) * ظاهر اللفظ أن يكون قوله: * (وجئتكم بأية من ربكم) * للتأسيس لا للتوكيد، لقوله: قد جئتكم بآية من ربكم، وتكون هذه الآية قوله: * (إن الله ربى وربكم فاعبدوه) * لأن هذا القول شاهد على صحة رسالته، إذ جميع الرسل كانوا عليه لم يختلفوا فيه، وجعل هذا القول آية وعلامة، لأنه رسول كسائر الرسل، حيث هداه للنظر في أدلة العقل والاستدلال. وكسر: إن، على هذا القول لأن: قولا، قبلها محذوف، وذلك القول بدل من الآية، فهو معمول للبدل. ومن قرأ بفتح: أن، فعلى جهة البدل من: آية، ولا تكون
(٤٩١)
مفاتيح البحث: الزمخشري (1)، الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 486 487 488 489 490 491 492 493 494 495 496 ... » »»