تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٨
والعامل فيه كتب، وإلى هذا ذهب الفراء، والحوفي، وكلا القولين خطأ.
أما النصب على الظرف فإنه محل للفعل، والكتابة ليست واقعة في الأيام، لكن متعلقها هو الواقع في الأيام، فلو قال الإنسان لولده وكان ولد يوم الجمعة: سرني ولادتك يوم الجمعة، لم يكن أن يكون يوم الجمعة معمولا لسرني، لأن، السرور يستحيل أن يكون يوم الجمعة، إذ ليس بمحل للسرور الذي أسنده إلى نفسه، وأما النصب على المفعول اتساعا فإن ذلك مبني على جواز وقوعه ظرفا لكتب، وقد بينا أن ذلك خطأ.
والصوم: نفل وواجب، والواجب معين الزمان، وهو: صوم رمضان والنذر المعين، وما هو في الذمة، وهو: قضاء رمضان، والنذر غير المعين، وصوم الكفارة. وأجمعوا على اشتراط النية في الصوم، واختلفوا في زمانها.
فمذهب أبي حنيفة: أن رمضان، والنذر المعين، والنفل يصح بنية من الليل، وبنية إلى الزوال، وقضاء رمضان، وصوم الكفارة، ولا يصح إلا بنية من الليل خاصة.
ومذهب مالك على المشهور: أن الفرض والنفل لا يصح إلا بنية من الليل.
ومذهب الشافعي: أنه لا يصح واجب إلا بنية من الليل.
ومذهب مالك: أن نية واحدة تكفي عن شهر رمضان.
وروي عن زفر أنه إذا كان صحيحا مقيما فأمسك فهو صائم، وإن لم ينو.
ومن صام رمضان بمطلق نية الصوم أو بنية واجب آخر، فقال أبو حنيفة: ما تعين زمانه يصح بمطلق النية، وقال مالك، والشافعي: لا يصح إلا بنية الفرض، والمسافر إذا نوى واجبا آخر وقع عما نوى، وقال أبو يوسف، ومحمد: يقع عن رمضان، فلو نوى هو أو المريض التطوع فعن أبي حنيفة: يقع عن الفرض، وعنه أيضا: يقع التطوع، وإذا صام المسافر بنية قبل الزوال جاز، قال زفر: لا يجوز النفل بنية بعد الزوال، وقال الشافعي: يجوز ولو أوجب صوم وقت معين فصام عن التطوع، فقال أبو يوسف: يقع على المنذور، ولو صام عن واجب آخر في وقت الصوم الذي أوجبه وقع عن ما نوى، ولو نوى التطوع وقضاء رمضان، فقال أبو يوسف: يقع عن القضاء، ومحمد قال: عن التطوع، ولو نوى قضاء رمضان وكفارة الظهار كان على القضاء في قول أبي يوسف، وقال محمد: يقع على النفل، ولو نوى الصائم الفطر فصومه تام، وقال الشافعي: يبطل صومه.
ودلائل هذه المسائل تذكر في كتب الفقه.
* (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * ظاهر اللفظ اعتبار مطلق المرض بحيث يصدق عليه الاسم، وإلى ذلك ذهب ابن سيرين، وعطاء، والبخاري. وقال الجمهور: هو الذي يؤلم، ويؤذي، ويخاف تمادية، وتزيده؛ وسمع من لفظ مالك: أنه المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به التلف إذا صام، وقال مرة: شدة المرض والزيادة فيه؛ وقال الحسن، والنخعي: إذا لم يقدر من المرض على الصيام أفطر. وقال الشافعي: لا يفطر إلا من دعته ضرورة المرض إليه، ومتى احتمل الصوم مع المرض لم يفطر. وقال أبو حنيفة: إن خاف أن تزداد عينه وجعا أو حمى شديدة أفطر.
وظاهر اللفظ اعتبار مطلق السفر زمانا وقصدا.
وقد اختلفوا في المسافة التي تبيح الفطر، فقال ابن عمر، وابن عباس، والثوري وأبو حنيفة: ثلاثة أيام. وروى البخاري أن ابن عمر، وابن عباس كانا يفطران ويقصران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخا، وقد روي عن ابن أبي حنيفة: يومان وأكثر ثلاث، والمعتبر السير الوسط لا غير من الإسراع والإبطاء.
وقال مالك: مسافة الفطر مسافة القصر، وهي يوم وليلة، ثم رجع فقال: ثمانية وأربعون ميلا، وقال مرة: اثنان وأربعون، ومرة ستة وأربعون؛ وفي
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»