مجاهد: المعنى: من خشي أن يجنف الموصي، ويقطع ميراث طائفة، ويتعمد الإذاية أو يأتيها دون تعمد، وذلك هو الجنف دون إثم، وإذا تعمد فهو الجنف في إثم، فوعظه في ذلك ورده، فصلح بذلك ما بينه وبين ورثته، فلا إثم عليه.
* (أن الله غفور) * عن الموصي إذا عملت فيه الموعظة ورجع عما أراد من الأذية * (رحيم * به) *. وقيل: يراد بالخوف هنا: العلم، أي: فمن علم، وخرج عليه قوله تعالى: * (إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) *.
وقول أبي محجن.
أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها والعلقة بين الخوف والعلم حتى أطلق على العلم الخوف، وأن الإنسان لا يخاف شيئا حتى يعلم أنه مما يخاف منه، فهو من باب التعبير بالمسبب عن السبب، وقال في المنتخب: الخوف والخشية يستعملان بمعنى العلم، وذلك لأن الخوف عبارة عن حالة مخصوصة متولدة من ظن مخصوص، وبين الظن والعلم مشابهة في أمور كثيرة، فلذلك صح إطلاق كل واحد منهما على الأخر. انتهى كلامه.
وعلى الخوف بمعنى العلم، قال ابن عباس، رضي الله عنهما، وقتادة، والربيع، معنى الآية: من خاف أي، علم بعد موت الموصي أن الموصي حاف وجنف وتعمد إذاية بعض ورثته، فأصلح ما وقع بين الورثة من الاضطراب والشقاق، فلا إثم عليه، أي: لا يلحقه إثم التبديل المذكور قبل، وإن كان في فعله تبديلها، ولكنه تبديل لمصلحة، والتبديل الذي فيه الإثم إنما هو تبديل الهوى.
وقال عطاء: المعنى: فمن خاف من موص جنفا أو إثما في عطيته لورثته عند حضور أجله، فأعطى بعضا دون بعض، فلا إثم عليه أن يصلح بين ورثته في ذلك.
وقال طاووس: المعنى: فمن خاف من موص جنفا أو إثما في وصيته لغير ورثته بما يرجع بعضه على ورثته، فأصلح بين ورثته فلا إثم عليه.
وقال الحسن: هو أن يوصي للأجانب ويترك الأقارب، فيرد إلى الأقارب، قال: وهذا هو الإصلاح.
وقال السدي: المعنى: فمن خاف من موص بآبائه وأقربائه جنفا على بعضهم لبعض، فأصلح بين الآباء والأقرباء، فلا إثم عليه.
وقال علي بن عيسى: هو مشتمل على أمر ماض واقع، وأمر غير واقع، فإن كانت الوصية باقية أمر الموصي بإصلاحها، ورد من الجنف إلى النصف، وإن كانت ماضية أصلحها الموصى إليه بعد موته.
وقيل: هو أن يوصي لولد ابنته، يقصد بها نفع ابنته، وهذا راجع إلى قول طاووس المتقدم.
وإذا فسرنا الخوف بالخشية، فالخوف إنما يصح في أمر مرتبط والوصية قد وقعت، فكيف يمكن تعليقها بالخوف؟ والجواب: أن المصلح إذا شاهد الموصي يوصي، فظهرت منه أمارات الجنف أو التعدي بزيادة غير مستحق، أو نقص مستحق، أو عدل عن مستحق، فأصلح عند ظهور الأمارات لأنه لم يقطع بالجنف والإثم، فناسب أن يعلق بالخوف، لأن الوصية لم تمض بعد ولم تقع، أو علق بالخوف وإن كانت قد وقعت لأنه له أن ينسخها أو يغيرها بزيادة أو نقصان، فلم يصر الجنف أو الإثم معلومين، لأن تجويز الرجوع يمنع من القطع. أو علق بالخوف وإن كانت الوصية استقرت ومات الموصي، يجوز أن يقع بين الورثة والموصى لهم مصالحة على وجه يزول به الميل والخطأ، فلم يكن الجنف ولا الإثم مستقرا، فعلق بالخوف. والجواب الأول أقوى، ومن: شرطية، والجواب: فلا إثم عليه: