تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٧
* (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) *.
وإن كان ما فرض صومه هو ثلاثة أيام من كل شهر، وقيل: هذه الثلاثة ويوم عاشوراء، كما كان ذلك مفروضا على الذين من قبلنا، فيكون قوله: * (أياما معدودات) * عنى بها هذه الأيام، وإلى هذا ذهب ابن عباس، وعطاء.
قال ابن عباس، وعطاء، وقتادة: هي الأيام البيض، وقيل: وهي: الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر، وقيل: الثالث عشر ويومان بعده، وروي في ذلك حديث. (إن البيض هي الثالث عشر ويومان بعده) فإن صح لم يمكن خلافه.
وروي المفسرون أنه كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر واجبا، وصوم يوم عاشوراء، فصاموا كذلك في سبعة عشر شهرا، ثم نسخ بصوم رمضان.
قال ابن عباس: أول ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة، والصوم، ويقال: نزل صوم شهر رمضان قبل بدر بشهر وأيام، وقيل: كان صوم تلك الأيام تطوعا، ثم فرض، ثم نسخ.
قال أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي في (ري الظمآن): احتج من قال إنها غير رمضان بقوله صلى الله عليه وسلم): (صوم رمضان نسخ كل صوم)، فدل على أن صوما آخر كان قبله، ولأنه تعالى ذكر المريض والمسافر في هذه الآية ثم ذكر حكمهما في الآية الآتية بعده، فإن كان هذا الصوم هو صوم رمضان لكان هذا تكريرا، ولأن قوله تعالى: * (فدية) * يدل على التخيير، وصوم رمضان واجب على التعيين، فكان غيره، وأكثر المحققين على أن المراد بالأيام: شهر رمضان، لأن قوله: * (كتب عليكم الصيام) * يحتمل يوما ويومين وأكثر، ثم بينه بقوله: * (شهر رمضان) * وإذا أمكن حمله على رمضان فلا وجه لحمله على غيره، وإثبات النسخ؛ وأما الخبر فيمكن أن يحمل على نسخ كل صوم وجب في الشرائع المتقدمة، أو يكون ناسخا لصيام وجب لهذه الأمة، وأما ما ذكر من التكرار فيحتمل أن يكون لبيان إفطار المسافر والمريض في رمضان في الحكم، بخلاف التخيير في المقيم، فإنه يجب عليهما القضاء، فلما نسخ عن المقيم الصحيح وألزم الصوم، كان من الجائز أن نظن أن حكم الصوم، لما انتقل إلى التخيير عن التضييق، يعم الكل حتى يكون المريض والمسافر فيه بمنزلة المقيم من حيث تغير الحكم في الصوم، لما بين أن حال المريض والمسافر في رخصة الإفطار ووجوب القضاء كحالهما أولا، فهذه فائدة الإعادة، وهذا هو الجواب عن الثالث، وهو قولهم: لأن قوله تعالى: * (فدية) * يدل على التخيير إلى آخره، لأن صوم رمضان كان واجبا مخيرا، ثم صار معينا. وعلى كلا القولين لا بد من النسخ في الآية، أما على الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأن هذه الآية تقتضي أن يكون صوم رمضان واجبا مخيرا، والآية التي بعد تدل على التضييق، فكانت ناسخة لها، والاتصال في التلاوة لا يوجب الاتصال في النزول. انتهى كلامه.
وانتصاب قوله: * (أياما) * على إضمار فعل يدل عليه ما قبله، وتقديره: صوموا أياما معدودات، وجوزوا أن يكون منصوبا بقوله: الصيام، وهو اختيار الزمخشري، إذ لم يذكره غيره، قال: وانتصاب أياما بالصيام كقولك: نويت الخروج يوم الجمعة انتهى كلامه وهو خطأ، لأن معمول المصدر من صلته، وقد فصل بينهما بأجنبي وهو قوله: * (كما كتب) * فكما كتب ليس لمعمول المصدر، وإنما هو معمول لغيره على أي تقدير قدرته من كونه نعتا لمصدر محذوف، أو في موضع الحال، ولو فرعت على أنه صفة للصيام على تقدير: أن تعريف الصيام جنس، فيوصف بالنكرة، لم يجز أيضا، لأن المصدر إذا وصف قبل ذكر معموله لم يجز إعماله، فإن قدرت الكاف نعتا لمصدر من الصيام، كما قد قال به بعضهم، وضعفناه قبل، فيكون التقدير: صوما كما كتب، جاز أن يعمل في أياما الصيام، لأنه إذ ذاك العامل في صوما هو المصدر، فلا يقع الفصل بينهما بما ليس لمعمول للمصدر، وأجازوا أيضا انتصاب أياما على الظرف، والعامل فيه كتب، وأن يكون مفعولا على السعة ثانيا
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»