ألستم خير من ركب المطايا وقوله تعالى: * (ألم نشرح لك صدرك) * المعنى: أنتم خير، وقد شرحنا لك صدرك، وكذلك هذا معناه: قد آمنت بالإحياء. قال ابن عطية، إيمانا مطلقا دخل فيه فعل إحياء الموتى، والواو: واو حال، دخلت عليها ألف التقرير. انتهى كلامه. وكون الواو هنا للحال غير واضح، لأنها إذا كانت للحال فلا بد أن يكون في موضع نصب، وإذ ذاك لا بد لها من عامل، فلا تكون الهمزة للتقرير دخلت على هذه الجملة الحالية، إنما دخلت على الجملة التي اشتملت على العامل فيها وعلى ذي الحال، ويصير التقدير: أسألت ولم تؤمن؟ أي: أسألت في هذه الحال؟.
والذي يظهر أن التقرير إنما هو منسحب على الجملة المنفية، وأن: الواو، للعطف، كما قال: * (أو لم * يروا أنا جعلنا حرما ءامنا) * ونحوه. واعتنى بهمزة الاستفهام، فقدمت. وقد تقدم لنا الكلام في هذا، ولذلك كان الجواب: ببلى، في قوله * (قال بلى) * وقد تقرر في علم النحو أن جواب التقرير المثبت، وإن كان بصورة النفي، تجريه العرب مجرى جواب النفي المحض، فتجيبه على صورة النفي، ولا يلتفت إلى معنى الإثبات، وهذا مما قررناه، أن في كلام العرب ما يلحظ في اللفظ دون المعنى، ولذلك علة ذكرت في علم النحو، وعلى ما قاله ابن عطية من أن: الواو، للحال لا يتأتى أن يجاب العامل في الحال بقوله: بلى، لأن ذلك الفعل مثبت مستفهم عنه، فالجواب إنما يكون في التصديق: بنعم، وفي غير التصديق: بلا، أما أن يجاب: ببلى، فلا يجوز، وهذا على ما تقرر في علم النحو.
* (قال بلى ولاكن ليطمئن قلبى) *. قال الزمخشري: فإن قلت: كيف قال: أو لم تؤمن، وقد علم أنه أثبت الناس إيمانا؟.
قلت: ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين، و: بلى، إيجاب لما بعد النفي، معناه: بلى آمنت، ولكن ليطمئن قلبي، ليزيد سكونا وطمأنينة بمضامة علم الضرورة علم الاستدال. وتظاهر الأدلة أسكن للقلوب، وأزيد للبصيرة واليقين، ولأن علم الاستدلال يجوز معه التشكيك، بخلاف العلم الضروري، فأراد بطمأنينة القلب العلم الذي لا مجال فيه للتشكيك. انتهى كلامه. وليس علم الاستدلال يجوز معه التشكيك كما قال، بل منه ما يجوز معه التشكيك. أما إذا كان عن مقدمات صحيحة فلا يجوز معه التشكيك، كعلمنا بحدوث العالم، وبوحدانية الموجد، فمثل هذا لا يجوز معه التشكيك.
وقال ابن عطية: ليطمئن، معناه: ليسكن عن فكره في الشيء المعتقد، والفكر في صورة الإحياء غير محظور، كما لنا نحن اليوم أن نفكر فيها، بل هي فكر فيها عبر، إذ حركه إلى ذلك، أما أمر الدابة المأكولة، وأما قول النمروذ * (ألم تر * أو * وأميت) *. انتهى كلامه. وهو حسن.
واللام في قوله: ليطمئن، متعلقة بمحذوف بعد لكن، التقدير: ولكن سألت مشاهدة الكيفية لإحياء الموتى ليطمئن قلبي، فيقتضي تقدير هذا المحذوف تقدير محذوف آخر قبل لكن حتى يصح الاستدراك، التقدير: قال: بلى أي آمنت، وما سألت عن غير إيمان، ولكن سألت ليطمئن قلبي.
وروي عن: ابن جبير، وإبراهيم، وقتادة: ليزداد يقينا، وعن بعضهم: لأزداد إيمانا مع إيماني. قال ابن عطية: ولا زيادة في هذا المعنى تمكن إلا السكون عن الفكر، وإلا فاليقين لا يتبعض انتهى.
وقال النصراباذي: حن الخليل إلى صنع خليله ولم يتهمه في أمره، فكأنه قوله الشوق: أرني، كما قال موسى عليه السلام، ثم تعلل برؤية الصنع له تأدبا. وحكى القشيري أنه قيل: استجلب خطابا بهذه القالة، حتى قال له الحق: أو لم تؤمن؟ قال: بلى آمنت، ولكن اشتقت إلى قولك: أو لم تؤمن؟ فإني بقولك: أو لم تؤمن؟ يطمئن قلي. والمحب أبدا يجتهد في أن يجد خطاب حبيبه على أي وجه أمكنه.
* (قال فخذ أربعة من الطير) * لما سأل رؤية كيفية إحياء الموتى إجابة تعالى لذلك، وعلمه كيف يصنع أولا، فأمره أن يأخذ أربعة من الطير، ولم يذكر الله تعالى تعيين الأربعة من أي جنس هي من الطير، فيحتمل أن يكون المأمور به معينا، وما ذكر تعيينه،