أبي رجاء، وحمزة، والكسائي إعلم، فعل أمر من علم، فالفاعل ضمير يعود على الله تعالى، أو على الملك القائل له عن الله، ويناسب هذا الوجه الأوامر السابقة من قوله: وانظر، فقال له: إعلم، ويؤيده قراءة عبد الله والأعمش: قيل، اعلم، فبنى: قيل، لما لم يسم فاعله، والمفعول الذي لم يسم فاعله ضمير القول لا الجملة، وقد تقدم الكلام على ذلك أول هذه السورة مشبعا فأغنى عن إعادته هنا.
وجوزوا أن يكون الفاعل ضمير المار، ويكون نزل نفسه منزلة المخاطب الأجنبي، كأنه قال لنفسه: إعلم، ومنه: ودع هريرة، وألم تغتمض عيناك، وتطاول ليلك، وإنما يخاطب نفسه، نزلها منزلة الأجنبي.
وروى الجعبي عن أبي بكر قال: اعلم، أمرا من أعلم، فالفاعل بقال يظهر أنه ضمير يعود على الله، أمره أن يعلم غيره بما شاهد من قدرة الله، وعلى ما جوزوا في:
اعلم الأمر، من علم يجوز أن يكون الفاعل ضمير المار.
* (وإذ قال إبراهيم رب أرنى كيف تحى الموتى) * مناسبة هذة الآية لما قبلها في غاية الظهور، إذ كلاهما أتى بها دلالة على البعث المنسوب إلى الله تعالى، في قول إبراهيم أراه ذلك في غيره، وقدمت آية المار على آية إبراهيم، وإن كان إبراهيم مقدما في الزمان على المار، لأنه تعجب من الإحياء بعد الموت، وإن كان تعجب اعتبار فأشبه الإنكار، وإن لم يكن إنكارا فكان أقرب إلى قصة النمروذ وإبراهيم، وأما إن كان المار كافرا فظهرت المناسبة أقوى ظهور. وأما قصة إبراهيم فهي سؤال لكيفية إراءة الإحياء، ليشاهد عيانا ما كان يعلمه بالقلب، وأخبر به نمروذ.
والعامل في: إذ، على ما قالوا محذوف، تقديره: واذكر إذ قال، وقيل: العامل مذكور وهو: ألم تر، المعنى: ألم تر إذ قال، وهو مفعول: بتر. والذي يظهر أن العامل في: إذ، قوله * (قال أوحى * لم تؤمنوا) * كما قررنا ذلك في قوله * (وإذ قال ربك للملائكة) * وفي افتتاح السؤال بقوله: رب، حسن استلطاف واستعطاف للسؤال، وليناسب قوله لنمروذ * (ربي الذى يحى ويميت) * لأن الرب هو الناظر في حاله، والمصلح لأمره، وحذفت ياء الإضافة اجتزاء، بالكسرة، وهي اللغة الفصحى في نداء المضاف لياء المتكلم، وحذف حرف النداء للدلالة عليه. و: أرني، سؤال رغبة، وهو معمول: لقال، والرؤية هنا بصرية، دخلت على رأى همزة النقل، فتعدت لاثنين: أحدهما ياء المتكلم، والآخر الجملة الاستفهامية. فقول * (كيف تحى * الموتى) * في موضع نصب، وتعلق العرب رأى البصرية من كلامهم، أما ترى، أي برق هاهنا. كما علقت: نظر، البصرية. وقد تقرر.
وعلم أن الأنبياء، عليهم السلام، معصومون من الكبائر والصغائر التي فيها رذيلة إجماعا، قاله ابن عطية، والذي اخترناه أنهم معصومون من الكبائر والصغائر على الإطلاق، وإذا كان كذلك، فقد تكلم بعض المفسرين هنا في حق من سأل الرؤية هنا بكلام ضربنا عن ذكره صفحا، ونقول: ألفاظ الآية لا تدل على عروض شيء يشين المعتقد، لأن ذلك سؤال أن يريه عيانا كيفية إحياء الموتى، لأنه لما علم ذلك بقلبه وتيقنه، واستدل به على نمروذ في قوله * (ربي الذى يحى ويميت) * طلب من الله تعالى رؤية ذلك، لما في معاينة ذلك من رؤية اجتماع الأجزاء المتلاشية، والأعضاء المتبددة، والصور المضمحلة، واستعظام باهر قدرته تعالى. والسؤال عن الكيفية يقتضي تيقن ما سأل عنه: وهو الإحياء وتقرره، والإيمان به، وأنه مما انطوى الضمير على اعتقاده. وأماما ذكره الماوردي عن بعض أهل المعاني: أن إبراهيم سأل من ربه كيف يحيي القلوب، فتأويل ليس بشيء قالوا في سبب سؤاله أقوال أحدهما: أنه رأى دابة قد توزعتها السباع والحيتان لأنها كانت على حاشية البحر، قاله ابن زيد. أو: الفكر في الحقيقة والمجاز لما قاله نمروذ: * (ألم تر إلى) * قاله ابن إسحاق، أو: التجربة للخلة من الله إذ بشر بها، لأن الخليل يدل بما لا يدل غيره، قاله ابن جبير.
* (قال أوحى * لم تؤمنوا) * الضمير في: قال، عائد على الرب، والهمزة للتقرير، كقوله.