تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٠١
فبهت بكسر الهاء.
* (والله لا يهدى القوم الظالمين) * إخبار من الله تعالى بأن الظالم لا يهديه، وظاهره العموم، والمراد هداية خاصة، أو ظالمون مخصوصون، فما ذكر في الهداية الخاصة أنه لا يرشدهم في حجتهم، وقيل: لا يهديهم إلى الثواب في الآخرة ولا إلى الجنة، وقيل: لا يلطف بهم ولا يلهم ولا يوفق، وخص الظالمون بمن يوافي ظالما أي كافرا.
والذي يظهر أن هذا إخبار من الله بأن من حكم عليه، وقضى بأن يكون ظالما أي كافرا وقدر أن لا يسلم، فإنه لا يمكن أن يقع هداية من الله له * (فمن * حقت عليه * كلمة العذاب أفأنت تنقذ من فى النار) *.
ومناسبة هذه الآية بهذا الإخبار ظاهرة، لأنه ذكر حال مدع شركة الله في الإحياء والإماتة، مموها بما فعله أنه إحياء وإماتة، ولا أحد أظلم ممن يدعي ذلك، فأخبر الله تعالى: أن من كان بهذه الصفة من الظلم لا يهديه الله إلى اتباع الحق، ومثل هذا محتوم له عدم الهداية، مختوم له بالكفر، لأن مثل هذه الدعوى ليست مما يلتبس على مدعيها، بل ذلك من باب الزندقة والفلسفة والسفسطة، فدعيها إنما هو مكابر مخالف للعقل، وقد منع الله هذا الكافر أن يدعي أنه هو الذي يأتي بالشمس من المشرق إذ من كابر في ادعاء الإحياء والإماتة قد يكابر في ذلك ويدعيه. وهل المسألتان إلا سواء في دعوى ما لا يمكن لبشر؟ ولكن الله تعالى جعله بهوتا دهشا متحيرا منقطعا إكراما لنبيه إبراهيم، وإظهارا لدينه.
وقيل: إنما لم يدع أنه هو الذي يأتي بها من المشرق، لظهور كذبه لأهل مملكته، إذ يعلمون أنه محدث، والشمس كانت تطلع من المشرق قبل حدوثه، ولم يقل: أنا آتي بها من المغرب لعلمه بعجزه، فلما رأى أنه لا مخلص له سكت وانقطع.
* (أو كالذى مر على قرية) * قرأ الجمهور: أو، ساكنة الواو، قيل: ومعناها التفصيل، وقيل: التخيير في التعجيب من حال من ينشأ منهما.
وقرأ أبو سفيان بتن حسين: أو، كالذي، بفتح الواو، وهي حرف عطف دخل عليها ألف التقرير، والتقدير: وأرأيت مثل الذي؛ ومن قرأ: أو، بحرف العطف فجمهور المفسرين أنه معطوف على قوله: * (ألم تر إلى الذى حاج) * على المعنى، إذ معنى: ألم تر إلى الذي؟ أرأيت كالذي حاج؟ فعطف قوله: أو كالذي مر، على هذا المعنى، والعطف على المعنى موجود في لسان العرب قال الشاعر:
* تقي نقي لم يكثر غنيمة * بنهكة ذي قربى ولا بحقلد * المعنى في قوله: لم يكثر: ليس بمكثر: ولذلك راعى هذا المعنى فعطف عليه قوله: ولا بحقلد وقال آخر:
* أجدك لن ترى بثعيلبات * أولاء بيداء ناحية ذمولا * * ولا متدارك والليل طفل * ببعض نواشع الوادي حمولا * المعنى: أجدك لست برآء، ولما راعى هذا المعنى عطف عليه قوله: ولا متدارك، والعطف على المعنى نصوا على أنه لا ينقاس.
وقال الزمخشري، أو كالذي: معناه أورأيت مثل الذي؟ فحذف لدلالة: ألم تر؟ عليه لأن كلتيهما كلمة تعجيب. انتهى. هو تخريج حسن، لأن إضمار الفعل لدلالة المعنى عليه أسهل من العطف على مراعاة المعنى، وقد جوز الزمخشري الوجه الأولى.
وقيل: الكاف زائدة، فيكون: الذي، قد عطف على: الذي، التقدير: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم؟ أو الذي مر على قرية؟ قيل: كما زيدت في قوله تعالى: * (ليس كمثله شىء وهو السميع * العليم) * وفي قوله الراجز.
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»