وهذا هو مفهوم الخطاب، كما قال تعالى: * (ولا * تقل لهما أف) * وقيل: نزه نفسه عن السنة والنوم لما فيها من الراحة، وهو تعالى لا يجوز عليه التعب والاستراحة. وقيل: المعنى لا يقهره شيء ولا يغلبه، وفي المثل: النوم سلطان قال الزمخشري: وهو تأكيد للقيوم، لأن من جاز علمه ذلك استحال أن يكون قيوما. ومنه حديث موسى أنه سأل الملائكة، وكان ذلك من قومه كطلب الرؤية: أينام ربنا؟ فأوحى الله إليهم أن يوقظوه ثلاثا ولا تتركوه ينام. ثم قال: خذ بيدك قارورتين مملوؤتين، فأخذهما، وألقى الله عليه، النعاس، فضرب إحداهما عن الأخرى فانكسرتا، ثم أوحى إليه: قل لهؤلاء إني أمسك السماوات والأرض بقدرتي، فلو أخذني نوم أو نعاس لزلتا. انتهى. هكذا أورد الزمخشري هذا الخبر، وفيه أنه سأل الملائكة، وكان ذلك يعني السؤال من قومه، كطلب الرؤية، يعني أن طلب الرؤية هو عنده من باب المستحيل، كما استحال النوم في حقه تعالى، وهذا من عادته في نصرة مذهبه، يذكره حيث لا تكون الآية تتعرض لتلك المسألة.
وأورد غيره هذا الخبر عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحكي عن موسى عليه السلام على المنبر، قال وقع في نفس موسى: هل ينام الله؟ وساق الخبر قريبا من معنى ما ذكره الزمخشري.
قال بعض معاصرينا: هذا حديث وضعه الحشوية، ومستحيل أن سأل موسى ذلك عن نفسه أو عن قومه، لأن المؤمن لا يشك في أن الله ينام أو لا ينام، فكيف الرسل؟ انتهى كلامه.
وفائدة تكرار: لا، في قوله: ولا نوم، انتفاؤهما على كل حال، إذ لو أسقطت، لا: لااحتمل انتفاؤهما بقيد الاجتماع، تقول: ما قام زيد وعمرو، بل أحدهما، ولا يقال: ما قام زيد ولا عمرو، بل أحدهما.
وتقدم قول من جعل هذه الجملة خبرا لقوله: الحي، على أن يكون: الحي، مبتدأ، ويجوز أن يكون خبرا عن الله، فيكون قد أخبره بعده إخبارا، على مذهب من يجيز ذلك، وجوز أبو البقاء أن تكون الجملة في موضع الحال من الضمير المستكن في القيوم، أي: قيوم بأمر الخلق غير غافل.
* (له ما في السماوات وما في الارض) * يصح أن يكون خبرا بعد خبر، ويصح أن يكون استئناف خبر، كما يصح ذلك في الجملة التي قبلها. و: ما، للعموم تشمل كل موجود، و: اللام، للملك أخبر تعالى أن مظروف السماوات والأرض ملك له تعالى، وكرر: ما، للتوكيد. وكان ذكر المظروف هنا دون ذكر الظرف، لأن المقصود نفي الإلهية عن غير الله تعالى، وأنه لا ينبغي أن يعبد غيره، لأن ما عبد من دون الله من الأجرام النيرة التي في السماوات: كالشمس، والقمر، والشعرى؛ والأشخاص الأرضية: كالأصنام، وبعض بني آدم، كل منهم ملك لله تعالى، مربوب مخلوق.
وتقدم أنه تعالى خالق السماوات والأرض، فلم يذكرهما كونه مالكا لهما استغناء بما تقدم.
* (من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه) * كان المشركون يزعمون أن الأصنام تشفع لهم عند الله، وكانوا يقولون: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى. وفي هذه الآية أعظم دليل على ملكوت الله، وعظم كبريائه، بحيث لا يمكن أن يقدم أحد على الشفاعة عنده إلا باذن منه تعالى، كما قال تعالى: * (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان) * ودلت الآية على وجود الشفاعة بإذنه تعالى، والإذن هنا معناه الأمر، كما ورد: إشفع تشفع، أو العلم أو التمكين إن شفع أحد بلا أمر.
و: من، رفع على الابتداء، وهو استفهام في معنى النفي، ولذلك دخلت: إلا، في قوله: إلا بإذنه، وخبر المبتدأ قالوا: ذا، ويكون الذي نعتا لذا، أو بدلا منه، وعلى هذا الذي قالوا يكون: ذا، اسم إشارة، وفي ذلك بعد، لأن: ذا، إذا كان اسم إشارة وكان خبرا عن: من، استقلت بهما الجملة، وأنت ترى احتياجها إلى الموصول بعدها.
والذي يظهر أن: من، الإستفهامية ركب معها: ذا، وهو الذي يعبر عنها بعض النحويين أن: ذا، لغو، فيكون: من ذا، كله في موضع رفع بالابتداء، والموصول بعدهما هو الخبر، إذ به يتم معنى الجملة الابتدائية، و: عنده، معمول: ليشفع، وقيل: يجوز أن يكون حالا من الضمير في يشفع، فيكون التقدير: يشفع مستقرا عنده، وضعف بأن المعنى