العلم أنه إذا راجعها مضارا في الرجعة، مريدا لتطويل العدة عليها أن رجعته صحيحة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: * (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) * قالوا: فدل ذلك على صحة الرجعة، وإن قصد الضرر، لأن المراجعة لم تكن صحيحة إذا وقعت على وجه الضرار لما كان ظالما بفعلها.
قال الماوردي: في الإصلاح المشار إليه وجهان: أحدهما: إصلاح ما بينهما من الفساد بالطلاق؛ الثاني: القيام لما لكل واحد منهما على صاحبه من الحق إنتهى كلامه.
قالوا: ويستغني الزوج في المراجعة عن الولي، وعن رضاها، وعن تسمية مهر، وعن الإشهاد على الرجعة على الصحيح، ويسقط بالرجعة بقية العدة، ويحل جماعها في الحال، ويحتاج في اثبات هذا كله إلى دليل واضح من الشرع، والذي يظهر لي أن المرأة بالطلاق تنفصل من الرجل، فلا يجوز له أن تعود إليه، إلا بنكاح ثان، ثم إذا طلقها وأراد أن ينكحها، فإما أن يبقى شيء من عدتها، أو لا يبقى إن بقي شيء من عدتها فله أن يتزوجها دون انقضاء عدتها منه إن أراد الإصلاح، ومفهوم الشرط أنه إذا أراد غير الإصلاح لا يكون له ذلك، وإن انقضت عدتها استوى هو وغيره في جواز تزويجها، وإما أن تكون قد طلقت وهي باقية في العدة فيردها من غير اعتبار شروط النكاح، فيحتاج إثبات هذا الحكم إلى دليل واضح كما قلناه، فإن كان ثم دليل واضح من نص أو إجماع، قلنا به، ولا يعترض علينا بأن له الرجعة على ما وصفوا، وإن ذلك من أوليات الفقه التي لا يسوغ يالنزاع فيها، وأن كل حكم يحتاج إلى دليل.
* (ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف) * هذا من بديع الكلام، إذ حذف شيئا من الأول أثبت نظيره في الآخر، وأثبت شيئا في الأول حذف نظيره في الآخر، وأصل التركيب ولهن على أزواجهن مثل الذي لأزواجهن عليهن، فحذفت على أزواجهن لإثبات: عليهن، وحذف لأزواجهن لإثبات لهن.
واختلف في هذه المثلية، فقيل: المماثلة في الموافقة والطواعية، وقال معناه الضحاك؛ وقيل: المماثلة في التزين والتصنع، وقاله ابن عباس، وقال: أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي لهذه الآية؛ وقيل: المماثلة في تقوى الله فيهن، كما عليهن أن يتقين الله فيهم، ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم) بقوله: (اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان أي: أسيرات، قاله ابن زيد؛ وقيل: المماثلة معناها أن لهن من النفقة والمهر وحسن العشرة وترك الضرار مثل الذي عليهن من الأمر والنهي فعلى هذا يكون المماثلة في وجوب ما يفعله الرجل من ذلك، ووجوب امتثال المرأة أمره ونهيه، لا في جنس المؤدي والممتثل، إذ ما ما يفعله الرجل محسوس ومعقول، وما تفعله هي معقول، ولكن اشتركا في الوجوب، فتحققت المثلية وقيل: الآية في جميع حقوق الزوج على الزوجة، وحقوق الزوجة على الزوج.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه سئل عن حق المرأة على الزوج فقال: (أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يهجر إلا في البيت) وفي حديث الحج عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال في خطبة يوم عرفة: (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله تبارك وتعالى، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يواطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)..
ومثل، مبتدأ، و: لهن، هو في موضع الخبر، و: بالمعروف، يتعلق به: لهن، أي: ومثل الذي لأزواجهن عليهن كائن لهن على أزواجهن، وقيل: بالمعروف، هو في موضع الصفة: لمثل، فهو في موضع رفع، وتتعلق إذ ذاك بمحذوف.
ومعنى: بالمعروف أي: بالوجه، الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس ولا يكلف أحدهما الآخر من الأشغال ما ليس معروفا له، بل يقابل كل منهما صاحبه بما يليق به.
* (وللرجال عليهن درجة) * أي: مزية وفضيلة في الحق، أتى بالمظهر عوض المضمر إذ كان لو أتى على المضمر لقال: ولهم عليهن درجة، للتنويه بذكر الرجولية التي بها ظهرت المزية للرجال على النساء، ولما كان يظهر في الكلام بالإضمار من تشابه الألفاظ، وأنت تعلم ما في ذاك، إذ كان يكون: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ولهم عليهن درجة، ولقلق الإضمار حذف مضمران ومضافان من الجملة الأولى.
والدرجة هنا: فضله