العلة التي لأجلها امتنع أن يؤكد الضمير المرفوع المتصل، حتى يؤكد بمنفصل، إذا أريد التوكيد للنفس والعين، ونظير جواز هذا: أحسن بزيد وأجمل، التقدير: وأجمل به، فحذف وإن كان فاعلا، هذا مذهب البصريين، ولأنه لما جر بالباء خرج في الصورة عن الفاعل، وصار كالفضلة، فجاز حذفه: هذا على أن الأخفش ذكر في المسائل جواز: قاموا أنفسهم، من غير توكيد، وفائدة التأكيد هنا: أنهن يباشرن التربص، وزوال احتمال أن غيرهن تباشر ذلك بهن، بل أنفسهن هن المأمورات بالتربص، إذ ذاك أدعى لوقوع الفعل منهن، فاحتيج إلى ذلك التأكيد لما في طباعهن من الطموح إلى الرجال والتزويج، فمتى أكد الكلام دل على شدة المطلوبة.
وانتصاب: ثلاثة، على أنه ظرف، إذ قدرنا: تربص، قد أخذ مفعوله، والمعنى: مدة ثلاثة قروء، وقيل: انتصابه على أنه مفعول، أي: ينتظرن معنى ثلاثة قروء، وكلا الإعرابيين منقول.
وتقدم الكلام في مدلول القروء في لسان العرب، واختلف في المراد هنا.
فقال أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبو موسى، وابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعكرمة، والضحاك، ومقاتل، والسدي، والربيع، وأبو حنيفة وأصحابه، وغيرهم من فقهاء الكوفة: هو الحيض.
وقال زيد بن ثابت، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وعائشة، وابن عمر، وابن عباس، والزهري، وأبان بن عثمان، وسليمان بن يسار، والأوزاعي، والثوري، والحسن بن صالح، ومالك، والشافعي، وغيرهم من فقهاء الحجاز: هو الطهر.
وقال أحمد: كنت أقول القرء الطهر، وأنا الآن أذهب إلى أنه الحيض.
وروي عن الشافعي: أن القرء: الانتقال من الطهر إلى الحيض، ولا يرى الانتقال من الحيض إلى الطهر قرءا.
وقد تقدم قول آخر: إنه الخروج من طهر إلى حيض، أو من حيض إلى طهر. ولذكر ترجيح كل قائل ما ذهب إليه مكان غير هذا.
وظاهر قوله: ثلاثة قروء، أن العدة تنقضي بثلاثة القروء، ومن قال: إن القرء الحيض يقول، إذا طلقت في طهر لم توطأ فيه استقبلت حيضة ثم حيضة ثم حيضة ثم تغتسل، فبالغسل تنقضي العدة.
روي عن علي، وابن مسعود، وأبي موسى، وغيرهم من الصحابة: (أن زوجها أحق بردها ما لم تغتسل) حتى قال شريك: لو فرطت في الغسل، فلم تغتسل عشرين سنة، كان زوجها أحق بالرجعة والذي يظهر من الآية أن الغسل لا دخول له في انقضاء العدة.
وروي عن زيد، وابن عمر، وعائشة: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا سبيل له عليها، ولا تحل للأزواج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، وذلك أن هؤلاء يقولون بأن القرء هو الطهر، فإذا أطلقت في طهر لم تمس فيه، اعتدت بما بقي منه، ولو ساعة، ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة، ثم ثالثا بعد حيضة ثانية، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة حلت للأزواج وخرجت من العدة بأول نقطة تراها، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وداود.
وقال أشهب: لا تنقطع العصمة والميراث إلا بتحقق أنه دم حيض، لاحتمال أن يكون دفعة دم من غير الحيض، وكل من قال: إن القرء الأطهار، يعتد بالطهر الذي طلقت فيه، وشذا بن شهاب فقال: تعتد بثلاثة أقراء سوى بقية ذلك الطهر، ولا تنقضي العدة حتى تدخل في الحيضة الرابعة، لأن الله تعالى قال: * (ثلاثة قروء) *، ولو، طلقت في الحيض انقضت عدتها بالشروع في الحيضة الرابعة.
وقال أبو حنيفة: لا تنقضي عدتها ما لم تطهر من الحيضة الرابعة، وقال: إذا طهرت لأكثر الحيض انقضت عدتها قبل الغسل أو لأوله، فلا تنقضي حتى تغتسل، أو تتيمم عند عدم الماء، أو يمضي عليها وقت الصلاة.
وظاهر عموم المطلقات دخول الزوجة الأمة في الاعتداد بثلاثة قروء، وبه قال داود، وجماعة أهل الظاهر، وعبد الرحمن بن كيسان الأصم؛ وروي عن ابن سيرين أنه قال: ما أرى عدة الأمة إلا كعدة الحرة، إلا أن مضت سنة في ذلك، فالسنة أحق أن تتبع وقال الجمهور: عدتها قرءان.
وقرأ الجمهور: وقروء، على وزن فعول؛ وقرأ الزهري: قرو، بالتشديد من غير همز، وروي ذلك عن نافع؛ وقرأ الحسن: قرو بفتح القاف وسكون الراء وواو خفيفة، وتوجيه الجمع للكثرة في هذا المكان، ولم يأت: ثلاثة أقراء، انه من باب التوسع في وضع أحد الجمعين