على أنه لا يجوز تقديم الكفارة في الإيلاء قبل الفيء على قول من يوجب الكفارة، لأنه لو جاز ذلك لبطل الإيلاء بغير فيء ولا عزيمة طلاق، لأنه إن حنث لم يلزم بالحنث شيء، ومتى لم يلزم الحالف بالحنث شيء لم يكن موليا، ففي جواز تقديم الكفارة إسقاط حكم الإيلاء، قاله محمد بن الحسن، ومذهب أبي حنيفة ومشهور مذهب مالك: أنه يجوز تقديم الكفارة. وقال الزمخشري: وإن عزموا الطلاق فتربصوا إلى مضي المدة. فإن الله سميع عليم، وعيد على إصرارهم وتركهم الفيئة، وعلى قول الشافعي معناه: فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم، وإن عزموا بعد مضي المدة. انتهى.
وكان قد تقدم في تفسير قوله: فإن فاؤوا، ما نصه فإن فاؤوا في الأشهر، بدليل قراءة عبد الله، فإن فاؤوا فيهن فإن الله غفور رحيم، يغفر للمؤمنين ما عسى يقدمون عليه من طلب ضرار النساء بالإيلاء، وهو الغالب، وإن كان يجوز أن يكون على رضى منهن، خوفا من طلب ضرار النساء بالإيلاء، وهو الغالب. وإن كان يجوز أن يكون على رضى منهن خوفا على الولد من الغيل، أو لبعض الأسباب لأجل الفيئة التي هي مثل التوبة، فنزل الزمخشري الآية على مذهب أبي حنيفة، وغاير بين متعلق الفعلين من الطرفين، إذ جعل بعد: فاؤوا، في مدة الأشهر، وبعد: عزموا، بعد مضي المدة، والذي يدل عليه ظاهر اللفظ أن الفيئة والعزم على الطلاق لا يكونان إلا بعد مضي الأشهر، ولما أحس الزمخشري بهذا اعترض على نفسه فقال: فإن قلت: كيف موقع الفاء إذا كانت الفيئة قبل انتهاء مدة التربص؟ قلت: موقع صحيح، لأن قوله: فإن فاؤوا، وإن عزموا، تفصيل لقوله: للذين يؤلون من نسائهم، والتفصيل يعقب المفصل، كما تقول: أنا نزيلكم هذا الشهر فان أحمدتكم أقمت عندكم، إلى آخره. وإلا لم أقم إلا ريثما أتحول. انتهى كلامه. وليس بصحيح لأن ما مثل به ليس مطابقا لما في الآية، ألا ترى أن المثال فيه إخبار عن المفصل حاله، وهو قوله: أنا نزيلكم هذا الشهر، وما بعد الشرطين مصرح فيه بالجواب الدال على اختلاف متعلق فعل الجزاء، والآية ليس كذلك التركيب فيها، لأن الذين يؤلون ليس مخبرا عنهم، ولا مسندا إليهم حكم، وإنما المخبر عنه هو: تربصهم، فالمعنى تربص المولي أربعة أشر مشروع لهم بعد إيلائهم، ثم قال: فإن فاؤوا، وإن عزموا، فالظاهر أنه يعقب تربص المدة المشروعة بأسرها، لأن الفيئة تكون فيها، والعزم بعدها، لأن هذا التقييد المغاير لا يدل عليه اللفظ، وإنما تطابق الآية أن نقول: للضيف اكرام ثلاثة أيام، فإن أقام فنحن كرماء مؤثرون، وإن عزم على الرحيل فله أن يرحل. فالذي يتبادر إليه الذهن أن الشرطين مقدران بعد إكرامه الثلاثة الأيام، وأما أن يكون المعنى: فإن أقام في مدة الثلاثة الأيام، وإن عزم على الرحيل بعد ذلك، فهذا الاختلاف في الطرفين لا يتبادر إليه الذهن، وإن كان مما يحتمله اللفظ، وفرق بين الظاهر والمحتمل، ولا يفرق بين الآية وتمثيل الزمخشري إلا من ارتاض ذهنه في التراكيب العربية، وعرى من حمل كتاب الله على الفروع المذهبية، باتباعه الحق واجتنابه العصبية.
* (والمطلقات يتربصن بأنفسهن) * ذكر بعضهم في سبب نزول هذه الآية ما لا يعد سببا، ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة جدا، لأنه حكم غالب من أحكام النساء، لأن الطلاق يحصل به المنع من الوطء والاستمتاع دائما، وبالإيلاء منع نفسه من الوطء مدة محصورة، فناسب ذكر غير المحصور بعد ذكر المحصور، ومشروع تربص المولي أربعة أشهر، ومشروع تربص هؤلاء ثلاثة قروء، فناسب ذكرها بعقبها، وظاهر: والمطلقات، العموم، ولكنه مخصوص بالمدخول بهن ذوات الأقراء، لأن حكم غير المدخول بها، والحامل، والآيسة منصوص عليه مخالف لحكم هؤلاء.
وروي عن ابن عباس وقتادة أن الحكم كان عاما في المطلقات، ثم نسخ الحكم من