المطلقات سوى المدخول بها ذات الإقراء، وهذا ضعيف، وإطلاق العام ويراد به الخاص لا يحتاج إلى دليل لكثرته، ولا أن يجعل سؤالا وجوابا. كما قال الزمخشري، قال: فإن قلت كيف جازت إرادتهن خاصة واللفظ يقتضي العموم. قلت: بل اللفظ مطلق في تناول الجنس، صالح لكله وبعضه، فجاء في أحد ما يصلح له كالاسم المشترك. انتهى.
وما ذكره ليس بصحيح، لأن دلالة العام ليست دلالة المطلق، ولا لفظ العام مطلق في تناول الجنس صالح لكله وبعضه، بل هي دلالة على كل فرد فرد، موضوعة لهذا المعنى، فلا يصلح لكل الجنس وبعضه، لأن ما وضع عاما يتناول كل فرد فرد، ويستغرق الأفراد لا يقال فيه: إنه صالح لكله وبعضه، فلا يجيء في أحد ما يصلح له، ولا هو كالاسم المشترك، لأن الاسم المشترك له وضعان وأوضاع بإزاء مدلوليه أو مدلولاته، فلكل مدلول وضع، والعام ليس له إلا وضع واحد على ما أوضحناه، فليس كالمشترك.
* (والمطلقات) * مبتدأ و * (يتربصن) * خبر عن المبتدأ، وصورته صورة الخبر، وهو أمر من حيث المعنى، وقيل: هو أمر لفظا ومعنى على إضمار اللام أي: ليتربصن، وهذا على رأي الكوفيين، وقيل: والمطلقات على حذف مضاف، أي: وحكم المطلقات ويتربصن على حذف: أن، حتى يصح خبرا عن ذلك المضاف المحذوف، التقدير: وحكم المطلقات أن يتربصن، وهذا بعيد جدا.
وقال الزمخشري، بعد أن قال: هو خبر في معنى الأمر، قال: فإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد الأمر وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله، فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص، فهو يخبر عنه، موجودا، ونحوه قولهم في الدعاء: رحمه الله، أخرج في صورة الخبر عن الله ثقة بالاستجابة، كأنما وجدت الرحمة فهو يخبر عنها، وبناؤه على المبتدأ مما زاد فضل تأكيد، ولو قيل: ويتربصن المطلقات، لم يكن بتلك الوكادة. انتهى. وهو كلام حسن، وإنما كانت الجملة الابتدائية فيها زيادة توكيد على جملة الفعل والفاعل لتكرار الاسم فيها مرتين: إحداهما بظهوره، والأخرى بإضماره، وجملة الفعل والفاعل يذكر فيها الاسم مرة واحدة.
وقال في (ري الظمآن) زيد فعل يستعمل في أمرين: أحدهما: تخصيص ذلك الفعل بذكر الأمر، كقولهم: أنا كتبت في المهم الفلاني إلى السلطان، والمراد دعوى الانفراد. الثاني: أن لا يكون المقصود ذلك، بل المقصود أن تقديم المحدث عنه بحديث آكد لإثبات ذلك الفعل له، كقولهم: هو يعطى الجزيل، لا يريد الحصر، بل المراد أن يحقق عند السامع أن إعطاء الجزيل دأبه.
ومعنى يتربصن: ينتظرن ولا يقدمن على تزوج. وقال القرطبي: هو خبر على بابه، وهو خبر عن حكم الشرع، فإن وجدت مطلقة لا تتربص فليس من الشرع، قيل: وحمله على الخبر هو الأولى، لأن المخبر به لا بد من كونه، وأما الأمر فقد يمتثل، وقد لا يمتثل، ولأنها لا تحتاج إلى نية وعزم وتربص متعد، إذ معناه: انتظر. وجاء في القرآن محذوفا مفعوله، ومثبتا، فمن المحذوف هذا، وقدروه: بتربص التزويج، أو الأزواج، ومن المثبت قوله: * (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده) * * (نتربص به ريب المنون) *.
و: بأنفسهن، متعلق: بتربص، وظاهر الباء مع تربص أنها للسبب، أي: من أجل أنفسهن، ولا بد أن ذلك من ذكر الأنفس، لأنه لو قيل في الكلام: يتربص بهن لم يجز، لأنه فيه تعدية الفعل الرافع لضمير الاسم المتصل إلى الضمير المجرور، نحو: هند تمر بها، وهو غير جائز، ويجوز هنا أن يكون زائدة للتوكيد، والمعنى: يتربصن أنفسهن، كما تقول: جاء زيد بنفسه، وجاء زيد بعينه، أي: نفسه وعينه، لا يقال: إن التوكيد هنا لا يجوز، لأنه من باب توكيد الضمير المرفوع المتصل، وهو النون التي هي ضمير الإناث في: تربصن، وهو يشترط فيه أن يؤكد بضمير منفصل، وكان يكون التركيب: يتربصن هن بأنفسهن، لأن هذا التوكيد، لما جر بالباء، خرج عن التبعية، وفقدت فيه