تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٠٨
قول الصفار أن يقرأ: فإن خافا، وإنما هو في القراءتين على الالتفات، وأما تخطئة الفراء فليست صحيحة، لأن قراءة عبد الله: إلا أن يخافوا، دلالة على ذلك، لأن التقدير: إلا أن يخافوهما أن لا يقيما، والخوف واقع في قراءة حمزة على أن، لأنها في موضع رفع على البدل من ضميرهما، وهو بدل الاشتمال كما قررناه قبل، فليس على ما تخيله أبو علي، وذلك كما تقول: خيف زيد شره، وأما قوله: يبعد من جهة المعنى، فقد تقدم الجواب عنه، وهو أن لهما المنع من ذلك، فمتى ظنوا أو أيقنوا ترك إقامة حدود الله، فليس لهم المنع من ذلك، وقد اختار أبو عبيدة قراءة الضم، لقوله تعالى: فإن خفتم، فجعل الخوف لغير الزوجين، ولو أراد الزوجين لقال: فإن خافا.
وقد قيل: إن قوله: * (ولا يحل لكم) *) * إلى آخره، جملة معترضة بين قوله: * (*) * إلى آخره، جملة معترضة بين قوله: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * وبين قوله: * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد) *.
* (فإن خفتم) *: الضمير للأولياء أو السلطان، فإن لم يكونوا فلصلحاء المسلمين، وقيل: عائد على المجموع من قام به أجزأ.
* (أن لا * يقيما حدود الله) * وترك إقامة الحدود هو ظهور النشوز وسوء الخلق منها، قاله ابن عباس، ومالك، وجمهور الفقهاء؛ أو عدم طواعية أمره وإبرار قسمه، قاله الحسن، والشعبي: وإظهار حال الكراهة له بلسانها، قاله عطاء. وعلى هذه الأقوال الثلاثة قيل: تكون التثنية أريد بها الواحد، أو كراهة كل منهما صاحبه، فلا يقيم ما أوجب الله عليه من حق صاحبه، قاله طاووس، وابن المسيب. وعلى هذا القول التثنية على بابها.
وروي أن امرأة نشزت على عهد عمر، فبيتها في اصطبل في بيت الزبل ثلاث ليال، ثم دعاها، فقال: كيف رأيت مكانك؛ فقالت ما رأيت ليالي أقر لعيني منها، وما وجدت الراحة مذ كنت عنده إلا هذه الليالي. فقال عمر: هذا وأبيكم النشوز، وقال لزوجها إجلعها ولو من قرطها، اختلعها بما دون عقاص رأسها، فلا خير لك فيها.
* (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * هذا جواب الشرط، قالوا: وهو يقتضي مفهومه أن الخلع لا يجوز إلا بحضور من له الحكم من سلطان أو ولي، وخوفه ترك إقامة حدود الله، وما قالوه من اقتضاء المفهوم وجود الخوف صحيح، أما الحضور فلا.
وظاهر قوله: * (ولا يحل لكم) * إذا كان خطابا للأزواج أنه لا يشترط ذلك، وخص الحسن الخلع بحضور السلطان، والضمير في: عليهما، عائد على الزوجين معا، أي: لا جناح على الزوج فيما أخذ، ولا على الزوجة فيما افتدت به.
وقال الفراء: عليهما، أي: عليه، كقوله: * (يخرج منهما) * أي: المالح * (نسيا حوتهما) * والناسي يوشع قال الشاعر:
* فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر * وان تدعاني أحم عرضا ممنعا * وظاهر قوله: * (فيما افتدت به) * العموم بصداقها، وبأكثر منه، وبكل مالها قاله عمر، وعثمان، وابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والنخعي، والحسن، وقبيصة بن ذؤيب، ومالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأبو ثور، وقضى بذلك عمر؛ وقيل: فيما أفتدت به من الصداق وحده من غير زيادة منه، قاله علي، وطاووس، وعمرو بن شعيب، وعطاء، والزهري، وابن المسيب، والشعبي، والحسن، والحكم، وحماد، وأحمد، وإسحاق، وابن الربيع، وكان يقرأ، هو والحسن: فيما افتدت به منه، بزيادة: منه، يعني مما أتيتموهن، وهو المهر؛ وحكى مكي هذا القول عن أبي حنيفة، وقيل: ببعض صداقها، ولا يجوز بجميعه إذا دخل بها حتى يبقى منه بقية ليكون بدلا عن استمتاعه بها.
وظاهر قوله: * (فإن خفتم * أن لا * يقيما حدود الله) * تشريكهما في ترك إقامة الحدود، وأن جواز الأخذ منوط بوجود ذلك منهما معا. وقد حرم الله على الزوج أن يأخذ إلا بعد الخوف أن لا يقيما حدود الله، وأكد التحريم بقوله: * (فلا تعتدوها) * ثم توعد على الاعتداء، وأجمع عامة أهل
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»