تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٧
وقول من أعاده على الله تعالى أبعد، لأنه أعاده على لفظ بعيد مع حسن عوده على لفظ قريب، وفي هذه الأوجه الثلاثة يكون المصدر مضافا للفاعل، وهو أيضا بعيد.
قال ابن عطية: ويجيء قوله * (على حبه) * اعتراضا بليغا أثناء القول انتهى كلامه.
فإن كان أراد بالاعتراض المصطلح عليه في النحو فليس كذلك، لأن شرط ذلك أن تكون جملة، وأن لا يكون لها محل من الإعراب، وهذه ليست بجملة، ولها محل من الإعراب. وإن أراد بالاعتراض فصلا بين المفعولين بالحال فيصح، لكن فيه إلباس، فكان ينبغي أن يقول فصلا بليغا بين أثناء القول.
* (ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب) * أما ذوو القربى فالأولى حملها على العموم، وهو: من تقرب إليك بولادة، ولا وجه لقصر ذلك على الرحم المحرم، كما ذهب إليه قوم، لأن الحرمة حكم شرعي، وأما القرابة فهي لفظة لغوية موضوعة للقرابة في النسب، وإن كان من يطلق عليه ذلك يتفاوت في القرب والبعد. وقد رويت أحاديث كثيرة في صلة القرابة، وقد تقدم لنا الكلام على ذوي القربى، واليتامى، والمساكين، في قوله * (وبالوالدين إحسانا وذى القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا) * فأغنى عن اعادته.
و * (ذوى القربى) * وما بعده من المعطوفات هو المفعول الأول على مذهب الجمهور، و * (المال) * هو المفعول الثاني.
ولما كان المقصود الأعظم هو إيتاء المال على حبه قدم المفعول الثاني اعتناء به لهذا المعنى.
وأما على مذهب السهيلي فإن * (المال) * عنده هو المفعول الأول، و * (ذوى القربى) * وما بعده هو المفعول الثاني، فأتى التقديم على أصله عنده. و * (اليتامى) * معطوف على * (ذوى القربى) * حمله بعضهم على حذف أي ذوي اليتامى، قال: لأنه لا يحسن من المتصدق أن يدفع المال إلى اليتيم الذي لا يميز ولا يعرف وجوه منافعه، ومتى فعل ذلك أخطأ، فإن كان مراهقا عارفا بمواقع حقه، والصدقة تؤكل أو تلبس، جاز دفعها إليه، وهذا على قول من خص اليتيم بغير البالغ، وأما من البالغ والصغير عنده ينطلق عليهما يتيم، فيدفع للبالغ ولولي الصغير. انتهى.
ولا يحتاج إلى تقدير هذا المضاف لصدق: آتيت زيدا مالا، وإن لم يباشر هو الأخذ بنفسه بل بوكيله * (وابن السبيل) * الضعف، قاله قتادة، وابن جبير، والضحاك، ومقاتل، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج؛ أو المسافر يمر عليك من بلد إلى بلد، قاله. مجاهد، وقتادة أيضا، والربيع بن أنس.
وسمي ابن السبيل بملازمته السبيل، وهو الطريق، كما قيل لطائر يلازم الماء ابن ماء، ولمن مرت عليه دهور: ابن الليالي والأيام.
وقيل: سمي ابن سبيل لأن السبيل تبرزه شبه ابرازها له بالولادة، فأطلقت عليه البنوة مجازا والمنقطع في بلد دون بلده، وبين البلد الذي انقطع فيه وبين بلده مسافة بعيدة، قاله أبو حنيفة، وأحمد، وابن جرير، وأبو سليمان الدمشقي، والقاضي أبو يعلى؛ أو الذي يريد سفرا ولا يجد نفقة، قاله الماوردي، وغيره عن الشافعي.
والسائلين: هم المستطعمون، وهو الذي تدعوه الضرورة إلى السؤال في سد خلته، إذ لا تباح له المسألة إلا عند ذلك.
ومن جعل إيتاء المال لهؤلاء ليس هو الزكاة، أجاز ايتاءه للمسلم والكافر، وقد ورد في الحديث ما يدل على ذم السؤال ويحمل على غير حال الضرورة.
* (وفي الرقاب) *: هم المكاتبون يعانون في فك رقابهم، قاله علي وابن عباس، والحسن، وابن زيد، والشافعي.
أوعبيد: يشترون ويعتقون، قاله مجاهد، ومالك، وأبو
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»