تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١٣
قيل: لا يؤخذ الحر إلا بالحر، ولا يؤخذ العبد إلا بالعبد، ولا تؤخذ الأنثى إلا بالأنثى.
روي معنى هذا عن ابن عباس، وأن ذلك نسخ بآية المائدة، وروي عنه أيضا أن الآية محكمة وفيها إجمال فسرته آية المائدة.
وممن ذهب إلى أنها منسوخة. ابن المسيب، والنخعي، والشعبي، وقتادة، والثوري.
وقيل: لا تدل على الحصر، بل تدل على مشروعية القصاص بين المذكورين، ألا ترى أن عموم: * (والانثى بالانثى) * تقتضي قصاص الحرة بالرقيقة فلو كان قوله: * (الحر بالحر والعبد بالعبد) * مانعا من ذلك لتصادم العمومان.
وقوله: * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * جملة مستقلة بنفسها، وقوله: * (الحر بالحر) * ذكر لبعض جزئياتها فلا يمنع ثبوت الحكم في سائر الجزئيات.
وقال مالك: أحسن ما سمعت في هذه الآية أنه يراد به الجنس الذكر والأنثى سواء فيه، وأعيد ذكر الأنثى توكيدا وتهمما بإذهاب أمر الجاهلية.
وروي عن علي والحسن بن أبي الحسن أن الآية نزلت مبينة حكم المذكورين ليدل ذلك على الفرق بينهم وبين أن يقتل حر عبدا أو عبد حرا، وذكر أنثى، أو أنثى ذكرا. وقالا: إنه إذا قتل رجل امرأة فإن أراد أولياؤها قتلوا بها صاحبهم ووفوا أولياءه نصف الدية، وإن أرادوا استحيوه وأخذوا منه دية المرأة. وإذا قتلت المرأة رجلا فإن أراد أولياؤه قتلوها وأخذوا نصف الدية، وإلا أخذوا دية صاحبهم واستحيوها، وإذا قتل الحر العبد فإن أراد سيد العبد قتل وأعطى دية الحر إلا قيمة العبد، وإن شاء استحيي وأخذ قيمة العبد.
وقد أنكر هذا عن علي والحسن، والإجماع على قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، والجمهور لا يرون الرجوع بشيء، وفرقة ترى الاتباع بفضل الديات، والإجماع على قتل المسلم الحر إذا قتل مسلم حرا بمحدد، وظاهر عموم الحر بالحر أن الوالد يقتل إذا قتل ابنه، وهو قول عثمان البتي، قال: إذا قتل ابنه عمدا قتل به.
وقال مالك: إذا قصد إلى قتله مثل أن يضجعه ويذبحه، وغير ذلك من أنواع القتل التي لا شبهة له فيها في ادعاء الخطأ قتل به، وإن قتله يرمي بشيء أو يضرب، ففي مذهب مالك قولان: أحدهما: يقتل، والآخر: لا يقتل.
وقال عامة العلماء: لا يقتل الوالد بولده، وعليه الدية فيما له، قال بذلك: أبو حنيفة، والأوزاعي، والشافعي، وسووا بين الأب والجد، وروي ذلك عن عطاء ومجاهد.
وقال الحسن بن صالح: يقاد الجد بابن الابن، وكان يجيز شهادة الجد لابن ابنه، ولا يجيز شهادة الأب لابنه، وظاهر قوله: * (الحر بالحر) * قتل الابن بابيه، والظاهر أيضا قتل الجماعة بالواحد، وصح ذلك عن عمر وعلي، وهو قول أكثر أهل العلم.
وقال أحمد: لا تقتل الجماعة بالواحد، والظاهر أيضا قتل من يجب عليه القتل لو انفرد إذا شارك من لا يجب عليه القتل كالمخطىء والصبي والمجنون والأب عند من يقول لا يقتل بابنه.
وقال أبو حنيفة: لا قصاص على واحد منهما وعلى الأب القاتل نصف الدية في ماله والصبي والمخطىء والمجنون على عاقلته، وهو قول الحسن بن صالح.
وقال الأوزاعي: على عاقلة المشتركين ممن ذكر الدية.
وقال الشافعي: على الصبي القاتل المشارك نصف الدية في ماله، وكذلك دية الحر والعبد إذا قتلا عبدا، والمسلم والنصراني إذا قتلا نصرانيا، وإن
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»