والكلبي، ومقاتل وقال السدي: فمر بزرع للمسلمين وحمر، فأحرق الزرع، وغفر الحمر، قيل: وفيه نزلت * (ولا تطع كل حلاف مهين) * و * (ويل لكل همزة لمزة) *.
وقال ابن عباس: في كفار قريش، أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم): إنا قد أسلمنا، فابعث إلينا من يعلمنا دينك، وكان ذلك مكرا منهم، فبعث إليهم خبيبا، ومرشدا، وعاصم بن ثابت، وابن الدنية، وغيرهم، وتسمى: سرية الرجيع، والرجيع موضع بين مكة والمدينة، فقتلوا، وحديثهم طويل مشهور في الصحاح.
وقال قتادة، وابن زيد: نزلت في كل منافق أظهر بلسانه ما ليس في قلبه.
وروي عن ابن عباس: أنها في المنافقين، قالوا عن سرية الرجيع: ويح هؤلاء ما فقدوا في بيوتهم، ولا أدوا رسالة صاحبهم.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه: لما قسم السائلين الله قبل إلى: مقتصد على أمر الدنيا، وسائل حسنة الدنيا، والآخرة، والوقاية من النار، أتى بذكر النوعين هنا، فذكر من النوع الأول من هو حلو المنطق، مظهر الود، وليس ظاهره كباطنه، وعطف عليه من يقصد رضي الله تعالى، ويبيع نفسه في طلبه، وقدم هنا الأول لأنه هناك المقدم في قوله: * (فمنهم من يقول * ربنا ءاتنا فى الدنيا) * وأحال هنا على إعجاب قوله دون غيره، من الأوصاف، وأن القول هو الظاهر منه أولا في قوله تعالى: * (فمن الناس من يقول ربنا) *، فكان من حيث توجهه إلى الله تعالى في الدعاء، ينبغي أن يكون لا يقتصر على الدنيا، وإن سأل منه ما ينجيه من عذابه، وكذلك هذا الثاني ينبغي أن لا يقتصر على حلاوة منطقه، بل كان يطابق في سريرته لعلانيته.
و: من، من قوله: من يعجبك، موصولة، وقيل: نكرة موصوفة، والكاف في: يعجبك، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم) إن كانت نزلت في معين، كالأخنس أو غيره، أو خطاب لمن كان مؤمنا إن كانت نزلت في غير معين ممن ينافق قديما أو حديثا.
ومعنى إعجاب قوله استحسانه لمواقفه ما أنت عليه من الإيمان والخبر، وجاء في الترمذي: (أن في بعض كتب الله إن من عباد الله قوما ألسنتهم من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر)، الحديث.
في الحياة، متعلق بقوله، أي يعجبك مقالته في معنى الدنيا، لأن ادعاءه المحبة والتبعية بالباطل يطلب به حظا من حظوظ الدنيا. ولا يريد به الآخرة، إذ لا تراد الآخرة إلا بالإيمان الحقيقي، والمحبة الصادقة، وقال الزمخشري، بعد أن ذكر هذا الوجه: ويجوز أن يتعلق بيعجبك أي: قوله حلو، فيصح: في الدنيا، فهو يعجبك ولا يعجبك في الآخرة، لما ترهقه في الموقف من الحبسة والكنة، أو لأنه لا يؤذن لهم في الكلام، فلا يتكلم حتى يعجبك كلامه. انتهى. وفيه بعد.
والذي يظهر أنه متعلق بيعجبك لا على المعنى الذي قاله، والمعنى أنك تستحسن مقالته دائما في مدة حياته، إذ لا يصدر منه من القول إلا ما هو معجب رائق لطيف، فمقالته في الظاهر معجبة دائما. ألا تراه يعدل على تلك المقالة الحسنة الرائقة، إلى مقالة خشنة منافية، ومع ذلك أفعاله منافية لأقواله الظاهرة، وأقواله الباطلة مخالفة أيضا لأقواله الظاهرة؟ إذ لا يحمل قوله: يعجبك قوله، وقوله: * (وهو ألد الخصام) * إلا على حالتين: فهو حلو المقالة في الظاهر، شديد الخصومة في الباطن.
* (ويشهد الله على * فى ما * قلبه) * قرأ الجمهور بضم الياء وكسر الهاء. ونصب الجلالة من: أشهد، وقرأ أبو حيوة، وابن محيصن بفتح الياء والهاء ورفع الجلالة، من شهد، وقرأ أبي، وابن مسعود: ويستشهد الله، والمعنى على قراءة الجمهور، وتفسير الجمهور، أنه يحلف بالله ويشهده أنه صادق وقائل حقا، وأنه محب في الرسول والإسلام، وقد جاءت الشهادة في معنى القسم في قصة الملاعنة في سورة النور، قيل: ويكون اسم الله انتصب بسقوط حرف الجر، والتقدير: ويقسم بالله على ما في قلبه، وهذا سهو، لأن الذي يكون يقسم به هو الثلاثي لا الرباعي، تقول: أشهد بالله لأفعلن، ولا تقول: أشهد بالله.
والظاهر عندي أن المعنى: أنه يطلع الله على ما في قلبه، ولا يعلم به أحد لشدة تكتمه وإخفائه الكفر، وهو ظاهر قوله: * (على ما فى قلبه) *، لأن الذي في قلبه هو خلاف ما أظهر بقوله.
وعلى تفسير الجمهور يحتاج إلى حذف ما يصح به المعنى، أي: ويحلف بالله على خلاف ما في قلبه، لأن الذي في قلبه هو الكفر،