للمحاسب وما عليه قبل حسابه، قاله الزجاج. أو: لكون حساب العالم كحساب رجل واحدا، و: لقرب مجيء الحساب، قاله مقاتل.
قيل: كنى بالحساب عن المجازاة على الأعمال إذا كانت ناشئة عنها كقوله: * (ولم أدر ما حسابيه) * يعنى ما جزائي، وقيل: كنى بالحساب عن العلم بمجاري الأمور، لأن الحساب يفضي إلى العلم، قاله الزجاج أيضا.
وقيل: عبر بالحساب عن القبول لدعاء عباده، وقيل: عبر به عن القدرة والوفاء، أي: لا يؤخر ثواب محسن ولا عقاب مسيء. وقيل: هو على حذف مضاف، أي: سريع مجيء يوم الحساب. فالمقصود بالآية الإنذار بسرعة يوم القيامة. وقيل: سرعة الحساب تعالى رحمته وكثرتها، فهي لا تغب ولا تنقطع. وروي ما يقاربه عن ابن عباس.
وظاهر سياق هذا الكلام عموم الحساب للكافر والمؤمن إذ جاء بعد ما ظاهره أنه للطائعين، ويكون حساب الكفار تقريعا وتوبيخا، لأنه ليس له حسنة في الآخرة يجزئ بها، وهو ظاهر قوله: * (ولم أدر ما حسابيه) * وقال الجمهور: الكفار لا يحاسبون، قال تعالى: * (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) * * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) * وظاهر ثقل الموازين وخفتها، وما ترتب عليهاف ي الآيات الواردة في القرآن شمول الحسنات للبر والفاجر، والمؤمن والكافر.
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة: أن الحج له أشهر معلومات، وجمعها على أشهر لقلتها، وهي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. بكمالها، على ما يقتضيه ظاهر الجمع، ووصفها: بمعلومات، لعلمهم بها. وأخبر تعالى أن من ألزم نفسه الحج فيها فلا يرفت ولا يفسق ولا يجادل، فنهاه عن مفسد الحج مما كان جائزا قبله، وما كان غير جائز مطلقا ليسوي بين التحريمين، وإن كان أحدهما مؤقتا، والآخر ليس بمؤقت. ثم لما نهى عن هذه المفسدات، أخبر تعالى أن ما يفعله الإنسان من الخير الذي فرض الحج منه يعلمه الله، فهو تعالى يثيب عليه. ثم أمر تعالى بالتزود للدار الآخرة بأعمال الطاعات، ودخل فيها ما هم ملتبسون به من الحج، وأخبر أن خير الزاد هو ما كان وقاية بينك وبين النار، ثم نادى ذوي العقول، الذين هم أهل الخطاب، وأمرهم باتقاء عقابه، لأنه قد تقدم ذكر المناهي، فناسب أن ينتهوا على اتقاء عذاب الله بالمخالفة فيما نهى عنه، ثم أنه لما كان الحاج مشغولا بهذه العبادة الشاقة، ملتبسا بأقوالها وأفعالها، كان مما يتوهم أنها لا يمزج وقتها بشيء غير أفعالها، فبين تعالى أنه لا حرج على من ابتغى فيها فضلا بتجارة، أو إجارة، أو غير ذلك من الأعمال المعينة على كلف الدنيا، ثم أمرهم تعالى بذكره عند المشعر الحرام إذا أفاضوا من عرفات، ليرجعهم بذكره إلى الاشتغال بأفعال الحج، لئلا يستغرقهم التعلق بالتجارات والمكاسب، ثم أمرهم بالذكر على هدايته التي منحها إياهم، وقد كانوا قبل في ضلال، فاصطفاهم للهداية، ثم أمرهم بأن يفيضوا من حيث أفاض الناس، وهي التي جرت عادة الناس بأن يفيضوا منها، وذلك المكان هو عرفة، والمعنى أنهم أمروا أن يكونوا تلك الإفاضة السابقة من عرفة لا من غيرها، كما ذكر في سبب النزول. وأتى بثم لا لترتيب في الزمان، بل للترتيب في الذكر، لا في الوقوع.
ثم أمر بالاستغفار، ثم أمر بعد أداء المناسك يذكر الله تعالى، ولما كان الإنسان كثيرا ما يذكر أباه ويثني عليه بما أسلفه من كريم المآثر، وكان ذلك عندهم الغاية في الذكر، مثل ذكر الله بذلك الذكر، ثم أكد مطلوبية المبالغة في الذكر بقوله: أو أشد، ليفهم أن ما مثل به أولا ليس إلا على طريق ضرب المثل لهم؛ والمقصود أن لا يغفلوا عن ذكر الله تعالى طرفة عين.
ثم قسم مقصد الحاج إلى دنيوي صرف، وإلى دنيوي وأخروي، وبين ذلك في سؤاله، إياه وذكر أن من اقتصر على دنياه فإنه لاحظ له في الآخرة، ثم أشار إلى مجموع الصنفين بأن كلا منهما له مما كسب من أعمال حظ، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وأنه تعالى حسابه سريع، فيجازي العبد بما كسب.
2 (* (واذكروا الله فى أيام معدودات فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر