* لعمرك إنني وأبا حميد * كما النشوان والرجل الحليم * * أريد هجاءه وأخاف ربي * وأعلم أنه عبد لئيم * والهداية هنا خاصة، أي: بأن ردكم في مناسك حجكم إلى سنة إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه، فما عامة تتناول أنواع الهدايات من معرفة الله، ومعرفة ملائكته وكتبه ورسله وشرائعه.
* (وإن كنتم من قبله لمن الضالين) * إن هنا عند البصريين هي التي للتوكيد المخففة من الثقيلة، ودخلت على الفعل الناسخ كما دخلت على الجملة الابتدائية واللام في: لمن، وما أشبهه فيها خلاف: أهي لام الابتداء لزمت للفرق؟ أم هي لام أخرى اجتلبت للفرق؟ ومذهب الفراء. في نحو هذا هي النافية بمعنى ما، واللام بمعنى إلا، وذهب الكسائي إلى أن: بمعنى: قد، إذ دخل على الجملة الفعلية، وتكون اللام زائدة، وبمعنى: ما، النافية إذا دخل على الجملة الإسمية، واللام بمعنى إلا، ودلال هذه المسألة تذكر في علم النحو.
فعلى قول البصريين: تكون هذه الجملة مثبتة مؤكدة لا حصر فيها، وعلى مذهب الفراء: مثبتة إثباتا محصورا، وعلى مذهب الكسائي: مثبتة مؤكدة من جهة غير جهة قول البصريين.
ومن قبله، يتعلق بمحذوف، ويبينه قوله: لمن الضالن، التقدير: وإن كنتم ضالين من قبله لمن الضالين، ومن تسمح من النحويين في تقديم الظرف والمجرور على العامل الواقع صلة للألف واللام، فيتعلق على مذهبه من قبله بقوله: من الضالين، وقد تقدم نظير هذا.
والهاء في قبله، عائدة على الهدى المفهوم من قوله: هداكم، أي: وإن كنتم من قبل الهدى لمن الضالين، ذكرهم تعالى بنعمة الهداية التي هي أتم النعم ليوالوا ذكره والثناء عليه تعالى، والشكر الذي هو سبب لمزيد الإنعام، وقيل: تعود الهاء على القرآن، وقيل: على النبي صلى الله عليه وسلم).
والظاهر في الضلال أنه ضلال الكفر، كما أن الظاهر في الهداية هداية الإيمان، وقيل: من الضالين عن مناسك الحج، أو عن تفصيل شعائره.
* (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) * صح عن عائشة قالت: كان الحمس هم الذين أنزل الله تعالى فيهم: * (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) * رجعوا إلى عرفات، وفي (الجامع) للترمذي عن عائشة قالت: كانت قريش ومن على دينها، وهم الحمس، يقفون بالمزدلفة، يقولون: نحن قطان الله، وكان من سواهم يقفون بعرفة، فأنزل الله: * (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) * قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وروى محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: خرجت في طلب بعير بعرفة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) قائما بعرفة مع الناس قبل أن يبعث، فقلت: والله إن هذا من الحمس، فما شأنه واقفا هاهنا مع الناس؟ وكان وقوف رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعرفة إلهاما من الله تعالى وتوفيقا إلى ما هو شرع الله ومراده، وكانت قريش قد ابتدعت أشياء: لا يأقطون الأقط، ولا يسلون السمن وهم محرمون، ولا يدخلون بيتا من شعر، ولا يستظلون إلا في بيوت الأدم، ولا يأكلون حتى يخرجوا إلى الحل، وهم حرم، ولا يطوف القادم إلى البيت إلا في ثياب الحمس، ومن لم يجد ذلك طاف عريانا، فإن طاف بثيابه ألقاها فلا يأخذها أبدا، لا هو ولا غيره، وتسمي العرب تلك الثياب: اللقي، وسمحوا للمرأة أن تطوف وعليها درعها، وكانت قبل تطوف عريانة، وعلى فرجها نسعة، حتى قالت امرأة منهم:
* اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله * فلما أنزل الله * (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) * وأنزل: * (خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) * أباح لهم ما حرموا على أنفسهم من الوقوف بعرفة، ومن الأكل والشرب واللباس، فعلى هذا الذي نقل من سبب