وقف بها فروي عن ابن عباس، والقاسم، وسالم أنه: من أفاض من عرنة لا حج له، وذكره ابن المنذر عن الشافعي، وأبو المصعب عن مالك، وروى خالد بن نوار عن مالك أن حجه تام. ويهريق دما، وذكره ابن المنذر عن مالك أيضا.
وروي: عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة؛ وأكثر الآثار ليس فيها هذا الاستثناء، فهي كظاهر الآية.
وكيفية الإفاضة أن يسيروا سيرا جميلا، ولا يطؤا ضعيفا، ولا يؤذوا ماشيا، إذ كان صلى الله عليه وسلم) إذا دفع من عرفات أعنق، وإذا وجد فرجة نص. والعنق: سير سريع مع رفق، والنص: سير شديد فوق العتق، قاله الأصمعي، والنضر بن شميل. ولو تأخر الإمام من غير عذر دفع الناس.
والتعريف الذي يصنعه الناس في المساجد، تشبيها بأهل عرفة، غير مشروع، فقال بعض أهل العلم: هو ليس بشيء، وأول من عرف ابن عباس بالبصر، وعرف أيضا عمرو بن حريث، وقال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس، وقد فعله غير واحد: الحسن، وبكر، وثابت، ومحمد بن واسع كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة.
وأما الصوم يوم عرفة للواقفين بها، فقال يحيى بن سعيد الأنصاري: يجب ليهم الفطر، وأجازه بعضهم، وصامه عثمان بن القاضي، وابن الزبير، وعائشة. وقال عطاء: أصومه في الشتاء ولا أصومه في الصيف، والجمهور على أن ترك الصوم أولى، اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم).
* (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * الفاء جواب إذا، والذكر هنا الدعاء والتضرع والثناء، أو صلاة المغرب والعشاء بالمزدلفة، أو الدعاء. وهذه الصلاة أقوال ثلاثة يبني عليها أهل الأمر: أمر ندب، أم أمر وجوب؟ وإذا كان الذكر هو الصلاة فلا دلالة فيه على الجمع بين الصلاتين، فيصير الأمر بالذكر بالنسبة إلى الجمع بين الصلاتين مجملا ببينة فعله صلى الله عليه وسلم)، وهو سنة بالمزدلفة. ولو صلى المغرب قبل أن يأتي المزدلفة، فقال أبو حنيفة، ومحمد: لا يجزئه، وقال عطاء، وعروة، والقاسم، وابن جبير، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: ليس الجمع شرطا للصحة.
ومن له عذر عن الإفاضة ممن وقف مع الإمام صلى كل صلاة لوقتها، قاله ابن المواز.
وقال مالك: يجمع بينهما إذا غاب الشفق، وقال ابن القاسم: إن رجا أن يأتي المزدلفة ثلث الليل، فليؤخر الصلاتين حتى يأتيها، وإلا صلى كل صلاة لوقتها.
وهل يصليهما بإقامتين دون أذان؟ أو بأذان واحد للمغرب وإقامتين؟ أو بأذانين وإقامتين؟ أو بأذان وإقامة للأولى، وبلا أذان ولا إقامة للثانية؟ أقوال أربعة.
الأول: قول سالم، والقاسم، والشافعي، وإسحاق، وأحمد في أحد قوليه.
والثاني: قول زفر، والطحاوي، وابن حزم، وروي عن أبي حنيفة.
والثالث: قول مالك.
والرابع: قول أبي حنيفة، والسنة أن لا يتطوع الجامع بينهما.
والمشعر مفعل من شعر، أي: المعلم: والحرام لأنه ممنوع أن يفعل فيه ما نهي عنه من محظورات الإحرام. وهذا المشعر يسمى: جمعا، وهو ما بين جبلي المزدلفة من حد مفضى عرفة إلى بطن محسر، قاله ابن عباس، وابن عمر، وابن جبير، ومجاهد؛ وتسمي العرب وادي محسر: وادي النار، وليس المأزمان ولا وادي محسر من المشعر الحرام، والمأزم. المضيق، وهو مضيق واحد بين جبلين، ثنوه لمكان الجبلين. وقيل: المشعر الحرام هو قزح، وهو الجبل الذي يقف عليه الإمام، وعليه الميقدة. قيل: وهو الصحيح لحديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم)، لما صلى الفجر، يعني بالمزدلفة، بغلس ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام، فدعا وكبر وهلل، ولم يزل واقفا حتى أسفر، فعلى هذا لم تتعرض الآية المذكور للذكر بالمزدلفة، لا على أنه الدعاء ولا الصلاة بها، وإنما هذا أمر بالذكر عند هذا الجبل، وهو قزح الذي ركب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فدعا عنده وكبر وهلل، ووقف بعد صلاته الصبح بالمزدلفة بغلس حتى أسفر، ويكون ثم جملة محذوفة التقدير: فإذا أفضتم من عرفات، ونمتم بالمزدلفة، فاذكروا الله عند المشعر الحرام. ومعنى العندية هنا القرب منه، وكونه يليه