صائم؟) وإلى قوله وقد صرف وجه الفضل بن العباس عن ملاحظة النساء في الحج: (إن هذا يوم، من ملك فيه سمعه وبصره غفر له؟) ومعلوم خطر ذلك في غير ذلك اليوم، ولكنه خصه بالذكر تعظيما لحرمته.
وفي قوله: ولا فسوق، إشارة إلى أنه يحدث للحج توبة من المعاصي حتى يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
* (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) * هذه جملة شرطية، وتقدم الكلام على إعراب نظيرها في قوله: * (وما * ننسخ من ءاية) * وخص الخير، وإن كان تعالى عالما بالخير والشر، حثا على فعل الخير، ولأن ما سبق من ذكر فرض الحج، وهو خير، ولأن نستبدل بتلك المنهيات أضدادها، فنستبدل بالرفث الكلام الحسن والفعل الجميل، والفسوق الطاعة، والجدال الوفاق، ولأن يكثر رجاء وجه الله تعالى، ولأن يكون وعدا بالثواب.
وجواب الشرط وهو: يعلمه الله، فإما أن يكون عبر عن المجازاة عن فعل الخير بالعلم، كأنه قيل: يجازكم الله به، أو يكون ذكر المجازاة بعد ذكر العلم، أي: يعلمه الله فيثيب عليه، وفي قوله: وما تفعلوا، التفات، إذ هو خروج من غيبة إلى خطاب، وحمل على معنى: من، إذ هو خروج من إفراد إلى جمع، وعبر بقوله: تفعلوا ، عن ما يصدر عن الإنسان من فعل وقول ونية، إما تغليبا للفعل، وإما إطلاقا على القول، والاعتقاد لفظ الفعل، فإنه يقال: أفعال الجوارح، وأفعال اللسان، وأفعال القلب، والضمير في: يعلمه، عائد على: ما، من قوله: وما تفعلوا، و: من، في موضع نصب، ويتعلق بمحذوف.
وقد خبط بعض المعربين فقال: إن: من خير، متعلق: بتفعلوا، وهو في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف تقديره: وما تفعلوه فعلا من خير يعلمه الله، جزم بجواب الشرط، والهاء في: يعلمه الله، يعود إلى خير انتهى قوله.
ولولا أنه مسطر في التفسير لما حكيته، وجهة التخبيط فيه أنه زعم أن: من خير، متعلق: بتفعلوا، ثم قال: وهو في موضع نصب نعتا لمصدر. فإذا كان كذلك كان العامل فيه محذوفا، فيناقض هذا القول كون: من، يتعلق: بتفعلوا، لأن: من، حيث تعلقت بتفعلوا كان العامل غير محذوف وقوله والهاء تعود إلى خير خطأ فاحش لأن الجملة جواب لجملة شرطية بالاسم، فالهاء عائدة على الاسم، أعني: اسم الشرط، وإذا جعلتها عائدة على الخير عري الجواب عن ضمير يعود على أسم الشرط، وذلك لا يجوز، لو قلت: من يأتني يخرج خالد، ولا يقدر ضميرا يعود على أسم الشرط، لم يجز بخلاف الشرط إذا كان بالحرف، فإنه يجوز خلو الجملة من الضمير نحو: إن تأتني يخرج خالد.
* (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) * روي عن ابن عباس أنها نزلت في ناس من اليمن يحجون بغير زاد، ويقولون: نحن متوكلون بحج بيت الله أفلا يطعمنا؟ فيتوصلون بالناس، وربما ظلموا وغصبوا، فأمروا بالتزود، وأن لا يظلموا أو يكونوا كلا على الناس. وروي عن ابن عمر قال: إذا أحرموا ومعهم أزودة رموا بها، واستأنفوا زادا آخر، فنهوا عن ذلك، وأمر بالتحفظ بالزاد والتزود.
فعلى ما روي من سبب نزول هذه الآية يكون أمرا بالتزود في الأسفار الدنيوية، والذي يدل عليه سياق ما قبل هذا الأمر، وما بعده أن يكون الأمر بالتزود هنا بالنسبة إلى تحصيل الأعمال الصالحة التي تكون له كالزاد إلى سفره للآخرة، ألا ترى أن قبله: * (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) * ومعناه الحث والتحريض على فعل الخير الذي يترتب عليه الجزاء في الآخرة؟ وبعده * (فإن خير الزاد التقوى) * والتقوى في عرف الشرع والقرآن عبارة عن ما يتقى به النار؟ ويكون مفعول: تزودوا، محذوفا تقديره، وتزودوا التقوى، أو: من التقوى، ولما حذف المفعول أتى بخبر إن ظاهرا ليدل على أن المحذوف هو هذا الظاهر، ولو لم يحذف المفعول لأتي به مضمرا عائدا على المفعول، أو كان يأتي ظاهرا تفخيما لذكر التقوى، وتعظيما لشأنها. وقد قال بعضهم في التزود للآخرة: