تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٩٤
هشام أنه يجب في الرفع، فيقول: ميعادك يوم، وثلاثة أيام، وذهب الفراء إلى جواز النصب والرفع كالبصريين، ونقل عن الفراء في هذا الموضع أنه لا يجوز نصب الأشهر، لأن: أشهرا، نكرة غير محصورة.
وهذا النقل مخالف لما نقلنا نحن عنه، فيمكن أن يكون له القولان، قول البصريين، وقول هشام، وجمع شهر على أفعل لأنه جمع قلة بخلاف قوله * (إن عدة الشهور) * فإنه جاء على: فعول، وهو جمع الكثرة.
وظاهر لفظا أشهر الجمع، وهو: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، كله، وبه قال ابن مسعود، وابن عمر، وعطآء، وطاووس، ومجاهد، والزهري، والربيع، ومالك.
وقال ابن عباس، وابن الزبير، وابن سيرين، والحسن، وعطاء، والشعبي، وطاووس، والنخعي، وقتادة، ومكحول، والسدي، وأبو حنيفة، والشافعي، وابن حبيب، عن مالك، هي: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.
وروي هذا عن ابن مسعود، وابن عمر، وحكى الزمخشري، وصاحب (المنتخب) عن الشافعي: أن الثالث التسعة من ذي الحجة مع ليلة النحر، لأن الحج يفوت بطلوع الفجر.
وهذان القولان فيهما مجاز، إذ أطلق على بعض الشهر، شهر.
وقال الفراء: تقول العرب: له اليوم يومان لم أره، وإنما هو وبعض يوم آخر، وإنما قالوا ذلك تغليبا لا كثر الزمان على أقله، وهو كما نقل في الحديث: أيام منى ثلاثة أيام وإنما هي يومان وبعض الثالث، وهو من باب إطلاق بعض على كل، وكما. قال الشاعر:
ثلاثون شهرا في ثلاثة أحوال على أحد التأويلين، قيل: ولأن العرب توقع الجمع على التثنية إذا كانت التثنية أقل الجمع، وقال الزمخشري. فإن قلت: فكيف كان الشهران. وبعض الشهر أشهرا؟ قلت: اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد، بدليل قوله تعالى * (فقد صغت قلوبكما) * فلا سؤال فيه إذن، وإنما يكون موضعا للسؤال لو قيل: ثلاثة أشهر معلومات. انتهى كلامه.
وما ذكره الدعوى فيه عامة، وهو أن اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد، وهذا فيه النزاع. والدليل الذي ذكره خاص، وهو: * (فقد صغت قلوبكما) * وهذا لا خلاف فيه، ولإطلاق الجمع في مثل هذا على التثنية شروط ذكرت في النحو و: أشهر، ليس من باب * (فقد صغت قلوبكما) * فلا يمكن أن يستدل به عليه.
وقوله: فلا سؤال فيه، إذن ليس بجيد، لأنه فرض السؤال بقوله: فإن قلت؟ وقوله فإنما كان يكون موضعا للسؤال لو قيل: ثلاثة أشهر معلومات، ولا فرق عندنا بين شهر وبين قوله ثلاثة أشهر، لأنه كما يدخل المجاز في لفظ أشهر، كذلك قد يدخل المجاز في العدد، ألا ترى إلى ما حكاه الفراء: له اليوم يومان لم أره؟ قال: وإنما هو يوم وبعض يوم آخر، وإلى قول امرىءالقيس:
ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال على ما قدمنا ذكره، وإلى ما حكي عن العرب، ما رأيته مذ خمسة أيام وإن كنت قد رأيته في اليوم الأول والخامس فلم يشمل الانتفاء خمسة أيام جميعها بل تجعل ما رأيته في بعضه، وانتفت الرؤية في بعضه، كان يوم كامل لم تره فيه، فإذا كان هذا موجودا في كلامهم فلا فرق بين أشهر، وبين ثلاثة أشهر، لكن مجاز الجمع أقرب من مجاز العدد.
قالوا: وثمرة
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»