تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٦٤٥
زيد أحب لمعمرو، لأنه يكون المعنى: أن زيدا هو المحبوب لعمرو. فلما لم يجز ذلك، عدل إلى التعجب وأفعل التفضيل بما يسوغ منه ذلك، فتقول: ما أشد حب زيد لعمرو، وزيد أشد حبا لعمرو من خالد لجعفر. على أنهم قد شذوا فقالوا: ما أحبه إلي، فتعجبوا من فعل المفعول على جهة الشذوذ، ولم يكن القرآن ليأتي على الشاذ في الاستعمال والقياس، ويعدل على الصحيح الفصيح. وانتصاب حبا على التمييز، وهو من التمييز المنقول من المبتدأ تقديره: حبهم لله أشد من حب أولئك لله، أو لأندادهم على اختلاف القولين.
* (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب) *: قرأ نافع وابن عامر: وإذ ترون، بالتاء من فوق أن القوة، وأن بفتحهما. وقرأ ابن عامر: إذ يرون، بضم الياء. وقرأ الباقون: بالفتح. وقرأ الحسن، وقتادة، وشيبة، وأبو جعفر، ويعقوب: ولو ترى، بالتاء من فوق إن القوة، وإن بكسرهما. وقرأ الكوفيون، وأبو عمرو، وابن كثير: ولو يرى، بالياء من أسفل أن القوة، وأن بفتحهما. وقرأت طائفة: ولو يرى، بالياء من أسفل إن القوة، وإن بكسرهما. ولو هنا حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، فلا بد لها من جواب، واختلف في تقديره. فمنهم من قدره قبل أن القوة، فيكون أن القوة معمولا لذلك الجواب، التقدير: على قراءة من قرأ بالتاء من فوق، لعلمت أيها السامع أن القوة لله جميعا، أو لعلمت يا محمد أن كان المخاطب في ولو ترى له. وقد كان صلى الله عليه وسلم) علم ذلك، ولكن خوطب، والمراد أمته، فإن فيهم ن يحتاج لتقوية علمه بمشاهدة مثل هذا. ومن قرأ بالكسر، قدر الجواب: لقلت إن القوة على اختلاف القولين في المخاطب بقوله: ولو ترى من هو؟ أهو السامع؟ أم النبي صلى الله عليه وسلم)؟ أو يكون التقدير: لاستعظمت حالهم. وأن القوة، وإن كانت مكسورة، فيها معنى التعليل مثل: لو قدمت على زيد لأحسن إليك، إنه مكرم للضيفان. وقال ابن عطية: تقدير ذلك: ولو ترى الذين ظلموا، في حال رؤيتهم العذاب وفزعهم منه واستغطامهم له، لأقروا أن القوة لله. فالجواب مضمر على هذا النحو من المعنى، وهو العامل في أن انتهى. وفيه مناقشة، وهو قوله: في حال رؤيتهم العذاب. وكان ينبغي أن يقدر بمرادف، إذ وهو قوله: في وقت رؤيتهم العذاب، وأيضا فقدر جواب لو، وهو غير مترتب على ما يلي لو، لأن رؤية السامع، أو النبي صلى الله عليه وسلم) الظالمين في وقت رؤيتهم، لا يترتب عليها إقرارهم أن القوة لله جميعا صار نظير قولك: يا زيد لو ترى عمرا في وقت ضربه لأقر أن الله قادر عليه، وإقراره بقدرة الله ليست مترتبة على رؤية زيد. وعلى من قرأ: ولو يرى، بالياء من أسفل وفتح، أن يكون تقدير الجواب: لعلموا أن القوة لله جميعا، وإن كان فاعل يرى هو الذين ظلموا، وإن كان ضميرا يقدر ولو يرى هو، أي السامع، كان التقدير: لعلم أن القوة لله جميعا. ومنهم من قدر الجواب محذوفا بعد قوله * (وأن الله شديد العذاب) *، وهو قول أبي الحسن الأخفش، وأبي العباس المبرد، وتقديره: على قراءة ولو ترى بالخطاب، لاستعظمت ما حل بهم، وعلى قراءة ولو يرى للغائب، فإن كان فيه ضمير السامع كان التقدير: لاستعظم ذلك، وإن كان الذين ظلموا هو الفاعل، كان التقدير: لاستعظموا ما حل بهم. وإذا كان الجواب مقدرا آخر الكلام، وكانت أن مفتوحة، فتوجيه فتحها على تقديرين: أحدهما أن تكون معمولة ليرى في قراءة من قرأ بالياء، أي ولو رأى الذين ظلموا أن القوة لله جميعا. وأما من قرأ بالتاء، فتكون أن مفعولا من أجله، أي لأن القوة لله جميعا، ومن كسر إن مع قراءة التاء في ترى، وقدر الجواب آخر الكلام، فهي، وإن كانت مكسورة على معنى المفتوحة، دالة على التعليل، تقول: لا تهن زيدا إنه عالم، ولا تكرم عمرا إنه جاهل، فهي على معنى المفتوحة من التعليل، وتكون هذه الجملة كأنها معترضة بين لو وجوابها المحذوف. وأما قراءة بالياء من أسفل وكسر الهمزتين، فيحتمل أن تكون معمولة لقول محذوف هو جواب لو، أي لقالوا إن القوة، أو على سبيل الاستئناف والجواب محذوف، أي لاستعظموا ذلك، ومفعول: ترى محذوف، أي ولو رأى الظالمون حالهم. وترى في قوله: ولو ترى، يحتمل أن تكون بصرية، وهو قول أبي علي، ويحتمل أن تكون عرفانية. وإذا جعلت أن معمولة ليرى، جاز أن تكون بمعنى علم التعدية إلى اثنين، سدت أن مسدهما، على مذهب سيبويه. والذين ظلموا، إشارة إلى متخذي الأنداد، ونبه على العلية، أو يكون عاما، فيندرج فيه هؤلاء وغيرهم من
(٦٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 640 641 642 643 644 645 646 647 648 649 650 ... » »»