ولما ذكر تعالى حال المؤمنين المتسمين بالصبر والصلاة والحج، وغير ذلك من أعمال البر، وحال من ارتكب المعاصي، ثم أقلع عن ذلك وتاب إلى الله. ذكر حال من وافى على الكفر، وأنه تحت لعنة الله وملائكته والناس، وأنهم خالدون في اللعنة، غير مخفف عنهم العذاب، ولا مرجؤن إلى وقت. ثم لما كان كفر معظم الكفار إنما هو لاتخاذهم مع الله آلهة * (أجعل الالهة إلاها واحدا) *؟ * (قلت للناس اتخذونى وأمى إلاهين من دون الله قال) *؟ * (وقالت اليهود عزير ابن الله) *، وفي الحديث: (أنهم يسألون فيقولون كنا نعبد عزيرا.
أخبر تعالى أن الإله هو واحد لا يتعدد ولا يتجزأ، ولا له مثيل في صفاته. ثم حصر الإلهية فيه، فتضمن ذلك أنه هو المثيب المعاقب، فوصف نفسه بهاتين الصفتين من الرحمانية والرحيمية. ثم أخذ في ذكر ما يدل على الوحدانية والانفراد بالإلهية. فبدأ بذكر اختراع الأفلاك العلوية، والجرم الكثيف الأرضي، وما يكون فيهما من اختلاف ما به السكون والحركة، من الليل والنهار الناشئين عما أودع الله تعالى في العالم العلوي، واختلاف الفلك ذاهبة وآيبة بما ينفع الناس الناشئ ذلك عما أودع في العالم السفلي، وما يكون مشتركا بين العالمين، من إنزال الماء، وتشقق الأرض بالنبات، وانتشار العالم فيها. ولما ذكر أشياء في الأجرام العلوية، وأشياء في الجرم الأرضي، ذكر شيئا مما هو بين الجرمين، وهو تصريف الرياح والسحاب، إذ كان بذلك تتم النعمة المقتضية لصلاح العالم في منافعهم البحرية والبرية. ثم ذكر أن هذا كله هي آيات للعاقل، تدله على وحدانية الله تعالى واختصاصه بالإلهية، إذ من عبدوه من دون الله يعلمون قطعا أنه لا يمكنه اقتدار على شيء ما تضمنته هذه الآيات، وأنهم بعض ما حوته الدائرة العلوية والدائرة السفلية، وأن نسبتهم إلى من لم يعبدوه من سائر المخلوقات نسبة واحدة في الافتقار والتغير، فلا مزية لهم على غيرهم إلا عند من سلب نور العقل، وغشبته ظلمات الجهل.
ثم ذكر تعالى، بعد ذكر هذه البينات الواضحات الدالة على الوحدانية واستحقاق العبادة، أن من الناس متخذي أنداد، وأنهم يؤثرونهم ويحبونهم مثل محبة الله، فهم يسوون بين الخالق والمخلوق في المحبة، * (أفمن يخلق كمن لا يخلق) *. ثم ذكر أن من المؤمنين أشد حبا لله من هؤلاء لأصناهم. ثم خاطب من خاطب بقوله: * (ولو يرى الذين ظلموا) *، حين عاينوا نتيجة اتخاذهم الأنداد، وهو العذاب، الحال بهم، أي لرأيت أمرا عظيما. ثم نبه على أن أندادهم لا طاقة لها ولا قوة بدفع العذاب عمن اتخذوهم، لأن جميع القوى والقدر هي لله تعالى. ثم ذكر تعالى تبرؤ المتبوعين من التابعين وقت رؤية العذاب وزالت المودات التي كانت بينهم، وأن التابعين تمنوا الرجوع إلى الدنيا حتى يؤمنوا ويتبرؤوا من متبوعيهم حيث لا ينفع التمني ولا يمكن أن يقع، فهو تمني مستحيل، لأن الله تعالى قد حكم وأمضى أن لا عودة إلى الدنيا. ثم ذكرتعالى أنهم بعد رؤيتهم العذاب وتقطع الأسباب، أراهم أعمالهم ندامات حيث لا ينفع الندم، ليتضاعف بذلك الألم. ثم ختم ذلك بما ختم لهم من العذاب السرمدي والشقاء الأبدي. نعوذ بالله من يطا نقماته، ونستنزل من كرمه العميم نشر رحماته.
2 (* (ياأيها الناس كلوا مما فى الا رض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * إنما يأمركم بالسوء والفحشآء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون * وإذا قيل لهم اتبعوا مآ أنزل الله قالوا بل نتبع مآ ألفينا عليه ءابآءنآ أولو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون * ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعآء وندآء صم بكم عمى فهم لا يعقلون * ياأيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكرو