يريد: من صبه الله عليه، وقال:
* لعل الذي أصعدتني أن تردني * إلى الأرض إن لم يقدر الخير قادر * يريد: أصعدتني به. فعلى هذا القول يكون * (من كل دابة) * في موضع المفعول، ومن تبعيضية. وعلى مذهب الأخفش، يجوز أن تكون زائدة، وكل دابة هو نفس المفعول، وعلى حذف الموصول يكون مفعول بث محذوفا، أي: وبثه، وتكون من حالية، أي: كائنا من كل دابة، فهي تبعيضية، أو لبيان الجنس عند من يرى ذلك. * (وتصريف الرياح) * في هبوبها قبولا ودبورا وجنوبا وشمالا، وفي أوصافها حارة وباردة ولينة وعاصفة وعقيما ولواقح ونكباء، وهي التي تأتي بين مهبي ريحين. وقيل: تارة بالرحمة، وتارة بالعذاب. وقيل: تصريفها أن تأتي السفن الكبار بقدر ما يحملها، والصغار كذلك، ويصرف عنها ما يضر بها، ولا اعتبار بكبر القلوع ولا صغرها، فإنها لو جاءت جسدا واحدا لصدمت القلوع وأغرقت.
وقد تكلموا في أنواع الريح واشتقاق أسمائها وفي طبائعها، وفيما جاء فيها من الآثار، وفيما قيل فيها من الشعر، وليس ذلك من غرضنا. والريح جسم لطيف شفاف غير مرئي، ومن آياته ما جعل الله فيه من القوة التي تقلع الأشجار وتعفي الآثار وتهدم الدياروتهلك الكفار، وتربية الزرع وتنميته واشتداده بها، وسوق السحاب إلى البلد الماحل. واختلف القراء في إفراد الريح وجمعه في أحد عشر موضعا. هذا، وفي الشريعة وفي الأعراف: * (يرسل الرياح) *، و * (اشتدت به الريح) *، و * (أرسلنا * الرياح لواقح) *، و * (تذروه الرياح) *، وفي الفرقان: * (أرسل الرياح) *، * (ومن يرسل الرياح) *، وفي الروم: * (الله الذى يرسل الرياح) *، وفي فاطر: * (أرسل الرياح) *، وفي الشورى: * (إن يشأ يسكن * الرياح) *. فأفرد حمزة إلا في الفرقان، والكسائي إلا في الحجر، وجمع نافع الجميع والعربيان إلافي إبراهيم والشورى، وابن كثير في البقرة والحجر والكهف والشريعة فقط. وفي مصحف حفصة هنا وتصريف الأرواح. ولم يختلفوا في توحيد ما ليس فيه ألف ولام. وجاءت في القرآن مجموعة مع الرحمة مفردة مع العذاب، إلا في يونس في قوله: * (وجرين بهم بريح طيبة) *. وفي الحديث: (اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا). قال ابن عطية: لأن ريح العذاب شديدة ملتئمة الأجزاء كأنها جسم واحد، وريح الرحمة لينة منقطعة، فلذلك هي رياح، وهو معنى ينشر، وأفردت مع الفلك، لأن ريح أجزاء السفن إنما هي واحدة متصلة. ثم وصفت بالطيب فزال الاشتراك بينها وبين ريح العذاب، انتهى. ومن قرأ بالتوحيد، فإنه يريد الجنس، فهو كقراءة الجمع. والرياح في موضع رفع، فيكون تصريف مصدرا مضافا للفاعل، أي وتصريف الرياح، السحاب أو غيره مما لها فيه تأثير بإذن الله. ويحتمل أن يكون في موضع نصب، فيكون المصدر في المعنى مضافا إلى الفاعل، وفي اللفظ مضافا إلى المفعول، أي وتصريف الله الرياح.
* (والسحاب المسخر) *، تسخيره: بعثه من مكان إلى مكان. وقيل: تسخيره: ثبوته بين السماء والأرض بلا علاقة تمسكه. ووصف السحاب هنا بالمسخر، وهو مفرد لأنه اسم جنس، وفيه لغتان: التذكير: كهذا وكقوله: * (أعجاز نخل منقعر) *، والتأنيث على معنى تأنيث الجمع، فتارة يوصف بما يوصف به الواحدة المؤنثة، وتارة يوصف بما يوصف به الجمع كقوله تعالى: * (حتى إذا أقلت سحابا ثقالا) *. قال كعب الأحبار: السحاب غربال المطر، ولولا السحاب لأفسد المطر ما يقع عليه من الأرض. فقيل: السحاب يأخذ المطر من السماء، وقيل: يغترفه من بحار الأرض، وقيل: يخلقه الله فيه، وللفلاسفة فيه أقوال. وجعل مسخرا باعتبار إمساكه الماء، إذ الماء ثقيل، فبقاؤه في جو الهواء هو على خلاف ما طبع عليه، وتقديره بالمقدار المعلوم الذي فيه المصلحة، يأتي به الله في وقت الحاجة،