ففاتتهم الجنة، وأضيفت إليهم من حيث كانوا مأمورين بها. قال السدي: ترفع لهم الجنة فينظرون إلى بيوتهم فيها، لو أطاعوا الله تعالى، فيقال لهم: تلك مساكنكم لو أطعتم الله تعالى، ثم تقسم بين المؤمنين فيرثونهم، فذلك حين يندمون. وهذا معنى قول بعضهم، إن أعمالهم قد أحبط ثوابها كفرهم، لأن الكافر لا يثاب مع كفره. ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم)، وقد ذكر له أن ابن جدعان كان يصل الرحم ويطعم المسكين، وسئل: هل ذلك نافعة؟ قال: (لا ينفعه، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)، ومنه قوله تعالى: * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) *. وقيل: المعنى أعمالهم التي تقربوا بها إلى رؤسائهم من تعظيمهم والانقياد لأمرهم. والظاهر أنها الأعمال التي اتبعوا فيها رؤساءهم وقادتهم، وهي الكفر والمعاصي. وكانت حسرة عليهم، لأنهم رأوها مسطورة في صحائفهم، وتيقنوا الجزاء عليها، وكان يمكنهم تركها والعدول عنها، لو شاء الله.
* (وما هم بخارجين من النار) *: هذا يدل على دخول النار، إذ لا يقال: ما زيد بخارج من كذا إلا بعد الدخول. ولم يتقدم في الآية نص على دخولهم، إنما تقدم رؤيتهم العذاب ومفاوضة بسبب تبرؤ المتبوعين من الأتباع، وجاء الخبر مصحوبا بالباء الدالة على التوكيد. وقال الزمخشري: هم بمنزلته في قوله:
هم يفرشون اللبد كل طمره في دلالته على قوة أمرهم فيما أسند إليهم، لا على الاختصاص. انتهى كلامه، وفيه دسيسة اعتزال، لأنه إذا لم يدل على الاختصاص، لا يكون فيه رد لقول المعتزلة، إن الفاسق يخلد في النار ولا يخرج منها. وأما قول صاحب المنتخب: إن الأصحاب احتجوا على أن صاحب الكبيرة من أهل القبلة، إلى آخر كلامه، فهو غير مسلم ، ولا دلالة في الآية على شيء من المذهبين. لأنك إذا قلت: ما زيد بمنطلق، وإنما في ذلك دلالة على نفي انطلاق زيد، وأما أن في ذلك دلالة على اختصاصه بنفي الانطلاق، أو مشاركة غيره له في نفي الانطلاق، فلا إنما يفهم ذلك، أعني الاختصاص، بنفي الخروج من النار، إذ المشاركة في ذلك من دليل خارج، وهل النفي إلا مركب على الإيجاب؟ فإذا قلت: زيد منطلق، فليس في هذا دليل على شيء من الاختصاص، ولا شيء من المشاركة، فكذلك النفي، وكونه قابلا للخصومة والاشتراك، يدل على ذلك. ألا ترى أنك تقول: زيد منطلق لا غيره، وزيد منطلق مع غيره؟.
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة. إخباره تعالى بأن الصفا والمروة من معالمه التي جعلها محملا لعبادته، وإن كان قد سبق غشيان المشركين لها، وتقربهم بالأصنام عليها. وصرح برفع الإثم عمن طاف بهما ممن حج أو اعتمر. ثم ذكر أن من تبرع بخير، فإن الله شاكر لفعله، عليم بنيته، لما كان التطوع يشتمل على فعل ونية، ختم بهاتين الصفتين المتناسبتين. ثم أخبر تعالى عمن كتم ما أنزل الله من الحكم الإلهي من بعد ما بينه في كتابه، لعنه الله وملائكته ومن يسوغ منه اللعن من صالحي عباده. ثم استثنى من تاب وأصلح، وبين ما كتم. ولم يكتف بالتوبة فقط حتى أضاف إليها الإصلاح، لأن كتم ما أنزل الله من أعظم الإفساد، إذ فيه حمل الناس على غير المنهج الشرعي. وأضاف التبيين لما كتم حتى يتضح للناس وضوحا بينا ما كان عليه من الضلال، وأنه أقلع عن ذلك، وسلك نقيض فعله الأول، فكان ذلك أدعى لزوال ما قرر أولا من كتمان الحق وبضدها تتبين الأشياء ثم أخبر تعالى عن هؤلاء المستثنين، أنه يتوب عليهم، وأنه تعالى لا يتعاظم عنده ذنب، وإن كان أعظم الذنوب، إذا تاب العبد منه. ثم أخبر تعالى أنه التواب الرحيم، بصفتي المبالغة التي في فعال وفعيل