عباد الأوثان، والأولى القول الأول. ورجح كونهم أهل الكتاب بقوله: يحبونهم، فأتى بضمير العقلاء، وباستبعاد محبة الأصنام، وبقوله: * (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا) *، والتبرؤ لا يناسب إلا العقلاء. ومن: مبتدأ موصول، أو نكرة موصوفة، وأفرد يتخذ حملا على لفظ من، ومن دون الله متعلق بيتخذ، ودون هنا بمعنى غير، وأصلها أن يكون ظرف مكان، وهي نادرة التصرف إذ ذاك. قال ابن عطية: ومن دون: لفظ يعطي غيبة ما يضاف إليه دون عن القضية التي فيها الكلام، وتفسير دون بسوى، أو بغير، لا يطرد. انتهى. تقول: فعلت هذا من دونك، أي وأنت غائب. وتقول: اتخذت منك صديقا، واتخذت من دونك صديقا. فالذي يفهم من هذا أنه اتخذ من شخص غيره صديقا. وتقول: قام القوم دون زيد. فالذي يفهم من هذا: أن المعنى أن زيدا لم يقم، فدلالتها دلالة غير في هذا. والذي ذكر النحويون، هو ما ذكرت لك من كونها تكون ظرف مكان، وأنها قليلة التصرف نادرته. وقد حكى سيبويه أيضا أنها تكون بمعنى رديء، تقول: هذا ثوب دون أي رديء، فإذا كانت ظرفا، دلت على انحطاط المكان، فتقول: قعد زيد دونك، فالمعنى: قعد زيد مكانا دون مكانك، أي منحطا عن مكانك. وكذلك إذا أردت بدون الظرفية المجازية تقول: زيد دون عمرو في الشرف، تريد المكانة لا المكان. ووجه استعمالها بمعنى غير انتقالها عن الظرفية فيه خفاء، ونحن نوضحه فنقول: إذا قلت: اتخذت من دونك صديقا، فأصله: اتخذت من جهة ومكان دون جهتك ومكانك صديقا، فهو ظرف مجازي. وإذا كان المكان المتخذ منه الصديق مكانك وجهتك منحطة عنه وهي دونه، لزم أن يكون غيرا، لأنه ليس إياه، ثم حذفت المضاف وأقمت المضاف إليه مقامه مع كونه غيرا، فصارت دلالته دلالة غير بهذا الترتيب، لا أنه موضوع في أصل اللغة لذلك. وانتصب أندادا هنا على المفعول بيتخذ، وهي هنا متعدية إلى واحد، نحو قولك: اتخذت منك صديقا، وهي افتعل من الأخذ، وقد تقدم الكلام على الند وعلى اتخذ، فأغنى عن إعادته. قال ابن عباس والسدي: الأنداد: الرؤساء المتبعون، يطيعونهم في معاصي الله تعالى. وقال مجاهد وقتادة: الأنداد: الأوثان، وجاء الضمير في يحبونهم ضمير من يعقل. وقد تقدم لنا أن الأولى أن تكون الأنداد: المجموع من الأوثان والرؤساء، وتكون الآية عامة. وجاء التغليب لمن يعقل في الضمير في: * (يحبونهم) *، أي يعظمونهم ويخضعون لهم. والجملة من يحبونهم صفة للأنداد، أو حال من الضمير المستكن في يتخذ، ويجوز أن تكون صفة لمن، إذا جعلتها نكرة موصوفة. وجاز ذلك، لأن في يحبونهم ضمير أنداد، أو ضمير من، وأعاد الضمير على من جمعا على المعنى، إذ قد تقدم الجمل على اللفظ في يتخذ، إذ أفرد الضمير، وقد وقع الفصل بين الجملتين، وهو شرط على مذهب الكوفيين.
* (كحب الله) *، الكاف في موضع نصب، إما على الحال من ضمير الحب المحذوف، على رأي سيبويه، أو على نه نعت لمصدر محذوف، على رأي جمهور المعربين، التقدير: على الأول يحبونهموه، أي الحب مشبها حب الله، وعلى الثاني تقديره: حبا مثل حب الله، والمصدر مضاف للمفعول المنصوب، والفاعل محذوف، التقدير: كحبهم الله، أو كحب المؤمنين الله، والمعنى أنهم سووا بين الحبين، حب الأنداد وحب الله. وقال ابن عطية: حب: مصدر مضاف إلى المفعول في اللفظ، وهو على التقدير مضاف إلى الفاعل المضمر، تقديره: كحبكم الله، أو كحبهم، حسبما قدر كل وجه منهما فرقة. انتهى كلامه. فقوله: مضاف إلى الفاعل المضمر، لا يعني أن المصدر أضمر فيه الفاعل، وإنما سماه مضمرا لما قدره كحبكم أو كحبهم، فأبرزه مضمرا حين أظهر تقديره، أو يعني بالمضمر المحذوف، وهو موجود في اصطلاح النحويين، أعني أن يسمى الحذف إضمارا. وإنما قلت ذلك، لأن من النحويين من زعم أن الفاعل مع المصدر لا يحذف، وإنما يكون مضمرا في المصدر. ورد ذلك بأن المصدر هو اسم جنس، كالزيت والقمح، وأسماء الأجناس لا يضمر فيه. وقال الزمخشري: كحب الله: كتعظيم الله والخضوع له، أي كما يحب الله، على أنه مصدر