تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٦٤٦
الكفار. ولكن سياق ما بعده يرشد إلى أنهم متخذو الأنداد. وقراءة ابن عامر: إذ يرون، مبنيا للمفعول، هو من أريت المنقولة من رأيت، بمعنى أبصرت. ودخلت إذ، وهي للظرف الماضي، في أثناء هذه المستقبلات، تقريبا للأمر وتصحيحا لوقوعه، كما يقع الماضي المستقبل في قوله: * (ونادى أصحاب النار) *، وكما جاء:
* بقيت وفري وانحرفت عن العلى * ولقيت أضيافي بوجه عبوس * لأنه علق ذلك على مستقبل، وهو قوله:
* إن لم أشن على ابن هند غارة * لم تخل يوما من نهاب نفوس * وحذف جواب لو، لفهم المعنى، كثير في القرآن، وفي لسان العرب. قال تعالى: * (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت) *، * (ولو ترى إذ وقفوا على النار) *، * (ولو ترى * قرانا سيرت به الجبال) *، وقال امرؤ القيس:
* وجدك لو شيء أتانا رسوله * سواك ولكن لم نجد لك مدفعا * هذا ما يقتضيه البحث في هذه الآية من جهة الإعراب، ونحن نذكر من كلام المفسرين. قال عطاء: المعنى: ولو يرى الذين ظلموا يوم القيامة، إذ يرون العذاب حين تخرج إليهم جهنم من مسيرة خمسمائة عام تلتقطهم كما يلتقط الحمام الحبة، لعلموا أن القوة والقدرة لله جميعا. وقيل: لو يعلمون في الدنيا ما يعلمونه، إذ يرون العذاب، لأقروا بأن القوة لله جميعا، أي لتبرؤوا من الأنداد، والثانية من رؤية العين. وقال التبريزي: لو اعتقدوا أن الله يقدر ويقوى على تعذيبهم يوم القيامة، لامتنعوا عما يوجب الجزاء بالعذاب. وقال الزمخشري: ولو يعلم هؤلاء الذين ارتكبوا الظلم العظيم بشركهم، أن القدرة كلها لله على كل شيء من العقاب والثواب دون أندادهم، ويعلمون شدة عقابه للظالمين، إذ عاينوا العذاب يوم القيامة، لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة ووقوع الظلم بظلمهم وضلالهم. انتهى كلامه. وحكى الراغب: أن بعضهم زعم أن القوة بدل من الذين، قال: وهو ضعيف. انتهى. ويصير المعنى: ولو ترى قوة الله وقدرته على الذين ظلموا. وقال في المنتخب: قراءة الياء عند بعضهم أولى من قراءة التاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم) والمسلمين قد علموا قدر ما يشاهده الكفار ويعاينونه من العذاب يوم القيامة، أما المتوعدون فإنهم لم يعلموا ذلك، فوجب إسناد الفعل إليهم. انتهى. ولا فرق عندنا بين القراءتين، أعني التاء والياء، لأنهما متواترتان. وانتصاب جميعا على الحال من الضمير المستكن في العامل في الجار والمجرور. والقوة هنا مصدر أريد به الجنس، التقدير: أن القوى مستقرة لله جميعا، ولا يجوز أن تكون حالا من القوة، لأن العامل في القوة أن، وأن لا تعمل في الأحوال. وهذا التركيب أبلغ هنا من أن لو قلت: إن الله قوي، إذ تدل هنا على الإخبار عنه بهذا الوصف. وأن القوة لله تدل على أن جميع أنواع القوى ثابتة مستقرة له تعالى، وتأخر وصفه تعالى بأنه شديد العذاب عن ذلك، لأن شدة العذاب هي من آثار القوة.
* (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب) *: لما ذكر متخذي الأنداد ذكر أن عبادتهم لهم وإفناء أعمارهم في طاعتهم، معتقدين أنهم سبب نجاتهم، لم تغن شيئا، وأنهم حين صاروا أحوج إليهم، تبرؤوا منهم. وإذ: بدل من: إذ يرون العذاب. وقيل: معمولة لقوله شديد العذاب. وقيل: المحذوف تقديره اذكروا الذين اتبعوا، هم رؤساؤهم
(٦٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 641 642 643 644 645 646 647 648 649 650 651 ... » »»