ضارب زيد وعمرا: أنه على إضمار فعل: ويضرب عمرا. الثاني: أنه معطوف على لعنة الله على حذف مضاف، أي لعنة الله ولعنة الملائكة، فلما حذف المضاف أعرب المضاف إليه بإعرابه نحو: * (واسئل القرية) *. الثالث: أن يكون مبتدأ حذف خبره لفهم المعنى، أي والملائكة والناس أجمعون يلعنونهم. وظاهر قوله: والناس أجمعين العموم، فقيل ذلك يكون في القيامة، إذ يلعن بعضهم بعضا، ويلعنهم الله والملائكة والمؤمنون، فصار عاما، وبه قال أبو العالية. وقيل: أراد بالناس من يعتد بلعنته، وهم المؤمنون خاصة، وبه قال ابن مسعود، وقتادة، والربيع، ومقاتل. وقيل: الكافرون يلعنون أنفسهم من حيث لا يشعرون، فيقولون: في الدنيا لعن الله الكافر، فيتأتى العموم بهذا الاعتبار، بدأ تعالى بنفسه، وناهيك بذلك طردا وإبعادا. * (قل هل أنبئكم بشر من ذالك مثوبة عند الله) *؟ من لعنه الله، فلعنة الله هي التي تجر لعنة الملائكة والناس. ألا ترى إلى قول بعض الصحابة: وما لي لا ألعن من لعنه الله على لسان رسوله؟ وكما روي عن أحمد، أن ابنه سأله: هل يلعن؟ وذكر شخصا معينا. فقال لابنه: يا بني، هل رأيتني ألعن شيئا قط؟ ثم قال: وما لي لا ألعن من لعنه الله في كتابه؟ قال فقلت: يا أبت، وأين لعنة الله؟ قال: قال تعالى: * (ألا لعنة الله على الظالمين) *. ثم ثنى بالملائكة، لما في النفوس من عظم شأنهم وعلو منزلتهم وطهارتهم. ثم ثلث بالناس، لأنهم من جنسهم، فهو شاق عليهم، لأن مفاجأة المماثل من يدعي المماثلة بالمكروه أشق، بخلاف صدور ذلك من الأعلى.
* (خالدين فيها) *: أي في اللعنة، وهو الظاهر، إذ لم يتقدم ما يعود عليها في اللفظ إلا اللعنة. وقيل: يعود على النار، أضمرت لدلالة المعنى عليها، ولكثرة ما جاء في القرآن من قوله: خالدين فيها، وهو عائد على النار، ولدلالة اللعنة على النار، لأن كل من لعنة الله فهو في النار. * (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) *: سبق الكلام على مثل هاتين الجملتين تلو قوله * (أولئك الذين اشتروا الحيواة الدنيا بالاخرة فلا يخفف) *، الآية، فأغنى عن إعادته هنا. إلا أن الجملة من قوله: * (لا يخفف) * هي في موضع نصب من الضمير المستكن في خالدين، أي غير مخفف عنهم العذاب. فهي حال متداخلة، أي حال من حال، لأن خالدين حال من الضمير في عليهم. ومن أجاز تعدي العامل إلى حالين لذي حال واحد، أجاز أن تكون الجملة من قوله: * (لا يخفف) *، حال من الضمير في عليهم، ويجوز أن تكون: لا يخفف جملة استئنافية، فلا موضع لها من الإعراب. وفي آخر الجملة الثانية، هناك: ولا ينصرون، نفى عنهم النصر، وهنا: ولا هم ينظرون، نفي الأنظار، وهو تأخير العذاب.
* (وإلاهكم إلاه واحد) * الآية. روي عن ابن عباس أنها نزلت في كفار قريش، قالوا: يا محمد، صف وانسب لنا ربك، فنزلت سورة الإخلاص وهذه الآية. وروي عنه أيضا أنه كان في الكعبة، وقيل حولها، ثلاثمائة وستون صنما يعبدونها من دون الله، فنزلت. وظاهر الخطاب أنه لجميع المخلوقات المتصور منهم العبادة، فهو إعلام لهم بوحدانية الله تعالى. ويحتمل أن يكون خطابا لمن قال: صف لنا ربك وانسبه، أو خطابا لمن يعبد مع الله غيره من صنم ووثن ونار. وإله: خبر عن إلهكم، وواحد: صفته، وهو الخبر في المعنى لجواز الاستغناء عن إله، ومنع الاقتصار عليه، فهو شبيه بالحال الموطئة، كقولك: مررت بزيد رجلا صالحا. والواحد المراد به نفي النظير، أو القديم الذي لم يكن معه في الأزل