أحدهما: أن نفوسنا وأموالنا وأهلينا لله لا يظلمنا فيما يصنعه بنا. الثاني: أسلمنا الأمر لله ورضينا بقضائه، * (وإنا إليه راجعون) * يعني: للبعث لثواب المحسن ومعاقبة المسئ. الثالث: راجعون إليه في جبر المصاب وإجزال الثواب. الرابع: أن معناه إقرار بالمملكة في قوله: * (إنا لله) *، وإقرار بالهلكة في قوله: * (وإنا إليه راجعون) *.
وفي المنتخب ما ملخصه: إن إسناد الإصابة إلى المصيبة، لا إلى الله تعالى، ليعم ما كان من الله، وما كان من غيره. فما كان من الله فهو داخل تحت قوله: * (إنا لله) *، لأن في الإقرار بالعبودية تفويضا للأمور إليه، وما كان من غيره فتكليفه أن يرجع إلى الله في الإنصاف منه، ولا يتعدى، كأنه في الأول * (إنا لله) *، يدبر كيف يشاء، وفي الثاني: * (أنا * إليه) *، ينصف لنا كيف يشاء. وقيل: * (إنا لله) *، دليل على الرضا بما نزل به في الحال، * (وإنا إليه راجعون) *، دليل على الرضا في الحال بكل ما سينزل به بعد ذلك. واشتملت الآية على فرض ونفل. فالفرض: التسليم لأمر الله، والرضا بقدره، والصبر على أداء فرائضه. والنفل: إظهارا لقول * (إنا لله وإنا إليه راجعون) *، وفي إظهاره فوائد منها: غيظ الكفار لعلمهم بجده في طاعة الله.
* (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) *، أولئك مبتدأ، وصلوات: ارتفاعها على الفاعل بالجار والمجرور، أي: أولئك مستقرة عليهم صلوات، فيكون قد أخبر عن المبتدأ بالمفرد، وهذا أولى من جعل صلوات مبتدأ، والجار والمجرور في موضع خبره. والجملة في موضع خبر المبتدأ الأول، لأنه يكون إخبارا عن المبتدأ بالجملة. والصلاة: من الله المغفرة، قاله ابن عباس؛ أو الثناء، قاله ابن كيسان، أو الغفران والثناء الحسن، قاله الزجاج. والرحمة: قيل هي الصلوات، كررت تأكيدا لما اختلف اللفظ، كقوله * (رأفة ورحمة) *. وقيل: الرحمة: كشف الكربة وقضاء الحاجة. وقال عمر: نعم العدلان ونعم العلاوة، وتلا: * (الذين إذا أصابتهم) * الآية، يعني بالعدلين: الصلوات والرحمة، وبالعلاوة: الاهتداء. وفي قوله: أولئك، اسم الإشارة الموضوع للبعد دلالة على بعد هذه الرتبة، كما جاء: * (أولائك على هدى من ربهم) *. والكناية عن حصول الغفران والثناء بقوله: * (عليهم صلوات) * بحرف على، إشارة إلى أنهم منغمسون في ذلك، قد غشيتهم وتجللتهم، وهو أبلغ من قوله لهم. وجمع صلوات، ليدل على أن ذلك ليس مطلق صلاة، بل صلاة بعد صلاة، ونكرت لأنه لا يراد العموم. ووصفها بكونها من ربهم، ليدل بمن على ابتدائها من الله، أي تنشأ تلك الصلوات وتبتدىء من الله تعالى. ويحتمل أن تكون من تبعيضية، فيكون ثم حذف مضاف، أي صلوات من صلوات ربهم. وأتى بلفظ الرب، لما فيه من دلالة التربية والنظر للعبد فيما يصلحه ويربه به. وإن كان أريد بالرحمة الصلوات، فلا يحتاج إلى تقييد بصفة محذوفة، لأنها قد تقيدت.
وإن كان أريد بها ما يغاير الصلوات، فيقدر: ورحمة منه، فيكون قد حذفت الصفة لما تقدم. ويحتمل أن يكون: * (من ربهم) *، متعلقا بقوله: * (عليهم) *، فلا يكون صفة، بل يكون معمولا للرافع لصلوات، وترتب على مقام الصبر. ومقال هذه الكلمات الدالة على التفويض لله تعالى، هذا الجزاء الجزيل والثناء الجميل.
وقد جاء في السنة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: (من استرجع عند المصيبة، جبر الله مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه). وفي حديث آخر: (من تذكر مصيبته، فأحدث استرجاعا، وإن تقادم عهدها، كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب). وحديث أم سلمة مشهور، حيث أخلفها الله عن أبي سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقال ابن جبير: ما أعطى أحد في المصيبة ما أعطيت هذه الأمة، ولو أعطيها أحد قبلها لأعطيها يعقوب. ألا ترى كيف قال حين فقد يوسف؟ * (فلما دخلوا على يوسف) *.
* (وأولئك هم المهتدون) *: إخبار من الله عنهم بالهداية، ومن أخبر الله عنه بالهداية فلن يضل أبدا. وهذه جملة ثابتة تدل على الاعتناء بأمر المخبر عنه، إذ كل وصف له يبرز في جملة مستقلة. وبدىء بالجملة