فلن يقبل منه) *. وردت الشرائع كلها إلى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم). وقال غير ابن عباس: ليست بمنسوخة، وهي فيمن ثبت على إيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم). وروى الواحدي، بإسناد متصل إلى مجاهد، قال: لما قص سلمان على النبي صلى الله عليه وسلم) قصة أصحابه، وقال له هم في النار، قال سلمان: فأظلمت علي الأرض، فنزلت إلى * (يحزنون) *، قال: فكأنما كشف عني جبل.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما ذكر الكفرة من أهل الكتاب، وما حل بهم من العقوبة، أخبر بما للمؤمنين من الأجر العظيم، دالا على أنه يجزي كلا بفعله، والذين آمنوا منافقوا هذه الأمة، أي آمنوا ظاهرا، ولهذا قرنهم بمن ذكر بعدهم، ثم بين حكم من آمن ظاهرا وباطنا، قاله سفيان الثوري أو المؤمنون بالرسول. ومن آمن: معناه من داوم على إيمانه، وفي سائر الفرق: من دخل فيه، أو الحنيفيون ممن لم يلحق الرسول: كزيد بن عمرو بن نفيل، وقيس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، ومن لحقه: كأبي ذر، وسلمان، وبحيرا. ووفد النجاشي الذين كانوا ينتظرون المبعث، فمنهم من أدرك وتابع، ومنهم من لم يدركه، والذين هادوا كذلك، ممن لم يلحق إلا من كفر بعيسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، والنصارى كذلك، والصابئين كذلك، قاله السدي أو أصحاب سلمان، وقد سبق حديثهم، أو المؤمنون بعيسى قبل أن يبعث الرسول، قاله ابن عباس، أو المؤمنون بموسى، وعملوا بشريعته إلى أن جاء عيسى فآمنوا به وعملوا بشريعته، إلى أن جاء محمد، قاله السدي عن أشياخه، أو مؤمنوا الأمم الخالية، أو المؤمنون بالله وملائكة وكتبه ورسله من سائر الأمم. فهذه ثمانية أقوال في المعنى بالذين آمنوا والذين هادوا وهم اليهود.
وقرأ الجمهور: هادوا بضم الدال. وقرأ أبو السماك العدوي: بفتحها من المهاداة، قيل: أي مال بعضهم إلى بعض، فالقراءة الأولى مادتها هاء وواو ودال، أو هاء وياء ودال، والقراءة الثانية مادتها هاء ودال وياء، ويكون فاعل من الهداية، وجاء فيه فاعل موافقة فعل، كأنه قيل: والذين هدوا، أي هدوا أنفسهم نحو: جاوزت الشيء بمعنى جزته. * (والنصارى) *: الألف للتأنيث، ولذلك منع الصرف في قوله: * (الذين قالوا إنا نصارى) *، وهذا البناء، أعني فعالى، جاء مقصورا جمعا، وجاء ممدودا مفردا، وألفه للتأنيث أيضا نحو: بركاء. وقرأ الجمهور: والصابئين مهموزا، وكذا والصابئون، وتقدم معنى صبأ المهموز. وقرأ نافع: بغير همز، فيحتمل وجهين أظهرهما أن يكون من صبأ: بمعنى مال، ومنه قول الشاعر:
* إلى هند صبا قلبي * وهند مثلها يصبي * والوجه الآخر يكون أصله الهمز، فسهل بقلب الهمز ألفا في الفعل وياء في الاسم، كما قال الشاعر:
* إن السباع لتهدي في مرابضها * والناس ليس بهاد شرهم أبدا * وقال الآخر:
* وكنت أذل من وتد بقاع * يشجج رأسه بالفهرواج * وقال آخر: