مجاهد؛ أو بصدق وحق، قاله ابن زيد؛ أو بقبول، قاله ابن بحر؛ أو بطاعة، قاله أبو العالية والربيع؛ أو بنية وإخلاص، أو بكثرة درس ودراية؛ أو بجد وعزيمة ورغبة وعمل؛ أو بقدرة. والقوة: القدرة والاستطاعة. وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى، والباء للحال أو الاستعانة.
* (واذكروا ما فيه) *. قرأ الجمهور: به أمرا من ذكر، وقرأ أبي: واذكروا ما فيه: أمرا من اذكر، وأصله: وإذتكروا، ثم أبدل من التاء دال، ثم أدغم الذال في الدال، إذ أكثر الإدغام يستحيل فيه الأول إلى الثاني، ويجوز في هذا أن يستحيل الثاني إلى الأول، ويدغم فيه الأول فيقال: اذكر، ويجوز الإظهار فتقول: إذ ذكر. وقرأ ابن مسعود: تذكروا، على أنه مضارع انجزم على جواب الأمر الذي هو خذوا. فعلى القراءتين قيل: هذا يكون أمرا بالإذكار، وعلى هذه القراءة يكون الذكر مترتبا على حصول الأخذ بقوة، أي أن تأخذوا بقوة تذكروا ما فيه. وذكر الزمخشري أنه قرىء: وتذكروا أمرا من التذكر، ولا يبعد عندي أن تكون هذه القراءة هي قراءة ابن مسعود، ووهم الذي نقلناه من كتابه تذكروا في إسقاط الواو، والذي فيه هو ما تضمنه من الثواب، قاله ابن عباس؛ أو احفظوا ما فيه ولا تنسوه وادرسوه، قاله الزجاج؛ أو ما فيه من أمر الله ونهيه وصفة محمد صلى الله عليه وسلم)، أو اتعظوا به لتنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى. والذكر: قد يكون اللسان، وقد يكون بالقلب على ما سبق، وقد يكون بهما. فباللسان معناه: ادرسوا، وبالقلب معناه: تدبروا، وبهما معناه: ادرسوا ألفاظه وتدبروا معانيه. أو أريد بالذكر: ثمرته، وهو العمل، فمعناه: اعملوا بما فيه من الأحكام والشرائع. والضمير في فيه يعود على ما. وقال في المنتخب: لا يحمل على نفس الذكر، لأن الذكر الذي هو ضد النسيان من فعل الله تعالى، فكيف يجوز الأمر به؟ انتهى.
ادرسوا ألفاظه وتدبروا معانيه. أو أريد بالذكر: ثمرته، وهو العمل، فمعناه: اعملوا بما فيه من الأحكام والشرائع. والضمير في فيه يعود على ما. وقال في المنتخب: لا يحمل على نفس الذكر، لأن الذكر الذي هو ضد النسيان من فعل الله تعالى، فكيف يجوز الأمر به؟ انتهى.
* (لعلكم تتقون) *: أي رجاء أن يحصل لكم التقوى بذكر ما فيه. وقيل: معناه لعلكم تنزعون عما أنتم فيه. والذي يفهم من سياق الكلام أنهم امتثلوا الأمر وفعلوا مقتضاه، يدل على ذلك: * (ثم توليتم من بعد ذالك) *. فهذا يدل على القبول والالتزام لما أمروا به. وفي بعض القصص أنهم قالوا، لما زال الجبل: يا موسى، سمعنا وأطعنا، ولولا الجبل ما أطعناك. وفي بعض القصص: فآمنوا كرها، وظاهر هذا الإلجاء. والمختار عند أهل العلم أن الله تعالى خلق لهم الإيمان والطاعة في قلوبهم وقت السجود، حتى كان إيمانهم طوعا لا كرها.
* (ثم توليتم من بعد ذالك) *: أي أعرضتم عن الميثاق والعمل بما فيه، وأصل التولي: أن يكون بالجسم، ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات، اتساعا ومجازا. ودخول ثم مشعر بالمهلة، ومن تشعر بابتداء الغاية. لكن بين الجملتين كلام محذوف، التقدير، والله أعلم: فأخذتم ما آتيناكم، وذكرتم ما فيه، وعملتم بمقتضاه. فلا بد من ارتكاب مجاز في مدلول من، وأنه لسرعة التولي منهم واجتماعهم عليه، كأنه ما تخلل بين ما أمروا به وبين التولي شيء. وقد علم أنهم بعدما قبلوا التوراة، تولوا عنها بأمور، فحرفوها، وتركوا العمل بها، وقتلوا الأنبياء، وكفروا بالله، وعصوا أمره. ومن ذلك ما اختص به بعضهم، وما عمله أوائلهم، وما عمله أواخرهم. ولم يزالوا في التيه، مع مشاهدتهم الأعاجيب، يخالفون موسى، ويظاهرون بالمعاصي في سكرهم، حتى خسف ببعضهم، وأحرقت النار بعضهم، وعوقبوا بالطاعون، وكل هذا مذكور في تراجم التوراة التي يقرأون بها، ثم فعل ساحروهمم ما لا خفاء به، حتى عوقبوا بتخريب بيت المقدس، وكفروا بالمسيح وهموا بقتله، والقرآن، وإن لم يكن فيه بيان ما تولوا به عن التوراة. فالجملة معروفة، وذلك إخبار من الله عن أسلافهم. فغير عجيب إنكارهم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم)، وحالهم في كتابه ما ذكر. والإشارة بذلك في قوله: * (من بعد ذالك) * إلى قبول ما أوتوه، أو إلى أخذ الميثاق والوفاء به، ورفع الجبل، أو خروج موسى من بينهم، أو الإيمان، أقوال.
* (فلولا فضل الله عليكم ورحمته) *،