تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٠٨
الفضل: الإسلام، والرحمة: القرآن، قاله أبو العالية. أو الفضل: قبول التوبة، والرحمة: العفو عن الزلة، أو الفضل: التوفيق للتوبة، والرحمة: القبول. أو الفضل والرحمة، فأخبر الله عنهم. أو الفضل والرحمة: بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وإدراكهم لمدته. وعلى هذا القول يكون من تلوين الخطاب، إذ صار هذا عائدا على الحاضرين. والأقوال قبله تدل على أن المخاطب به من سلف، لأنه جاء في سياق قصتهم. وفضل الله على مذهب البصريين مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: موجود، وما يشبهه مما يليق بالموضع. وعليكم: متعلق بفضل، أو معمول له، فلا يكون في موضع الخبر. والتقدير: * (فلولا فضل الله عليكم ورحمته) * موجودان، * (لكنتم) *: جواب لولا. والأكثر أنه إذا كان مثبتا تدخله اللام، ولم يجئ في القرآن مثبتا إلا باللام، إلا فيما زعم بعضهم أن قوله تعالى: * (وهم بها) *، جواب: لولا قدم فإنه لا لام معه. وقد جاء في كلام العرب بغير لام، وبعض النحويين يخص ذلك بالشعر، قال الشاعر:
* لولا الحياء ولولا الدين عبتكما * ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري * وقد جاء في كلامهم بعد اللام، قد، قال الشاعر:
* لولا الأمير ولولا حق طاعته * لقد شربت دما أحلى من العسل * وقد جاء في كلامهم أيضا حذف اللام وإبقاء قد نحو: لولا زيد قد أكرمتك. * (من الخاسرين) *: تقدم أن الخسران: هو النقصان، ومعناه من الهالكين في الدنيا والأخرى. ويحتمل أن يكون كان هنا بمعنى: صار. قال القشيري: أخذ سبحانه ميثاق المكلفين، ولكن قوما أجابوه طوعا، لأنه تعرف إليهم، فوحدوه، وقوما أجابوه كرها، لأنه ستر عليهم، فجحدوه. ولا حجة أقوى من عيان ما رفع فوقهم من الطور، ولكن عدموا نور البصيرة، فلم ينفعهم عيان البصر. قال تعالى: * (ثم توليتم) *، أي رجعتم إلى العصيان، بعد مشاهدتكم الإيمان بالعيان، ولولا حكمه بإمهاله، وحكمه بإفضاله، لعاجلكم بالعقوبة، ولحل بكم عظيم المصيبة.
وقال بعض أهل اللطائف: كانت نفوس بني إسرائيل، من ظلمات عصيانها، تخبط في عشواء حالكة الجلباب، وتخطر، من غلوائها وعلوها، في حلتي كبر وإعجاب. فلما أمروا بأخذ التوراة، ورأوا ما فيها من أثقال التكاليف، ثارت نفوسهم الآبية، فرفع الله عليهم الجبل، فوجدوه أثقل مما كلفوه، فهان عليهم حمل التوراة معما فيها من التكليف والنصب، إذ ذاك أهون من الهلاك، قال الشاعر:
* إلى الله يدعى بالبراهين من أبى * فإن لم يجب نادته بيض الصوارم * * (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم * فى السبت) * اللام في لقد: هي لام توكيد، وتسمى: لام الابتداء في نحو: لزيد قائم. ومن أحكامها: أن ما كان في حيزها لا يتقدم عليها، إلا إذا دخلت على خبر إن على ما قرر في النحو. وقد صنف بعض النحويين كتابا في اللامات ذكرها فيه وأحكامها. ويحتمل أن تكون جوابا لقسم محذوف، ولكنه جيء على سبيل التوكيد، لأن مثل هذه القصة يمكن أن يبهتوا في إنكارها، وذلك لما نال في عقبى أولئك المعتدين من مسخهم قردة، فاحتيج في ذلك إلى توكيد، وأنهم علموا ذلك حقيقة. وعلم هنا كعرف، فلذلك تعدت إلى واحد. وظاهر هذا أنهم علموا أعيان المعتدين، وقدره بعضهم: علمتم أحكام الذين، وقدره بعضهم: اعتداء الذين. والاعتداء كان على ما
(٤٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 403 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 ... » »»