التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٣ - الصفحة ١٩١
ما يشاء) الولد يكون على وجهين أحدهما بالولادة الحقيقية وهذا محال على الله تعالى لا يجوز في العقل والثاني التبني بمعنى الاختصاص والتقريب كما يتخذ الإنسان ولد غيره ولدا لإفراط محبته له وذلك ممتنع على الله بإخبار الشرع فإن قوله وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا يعم نفي الوجهين فمعنى الآية على ما أشار إليه ابن عطية لو أراد الله أن يتخذ ولدا على وجه التبني لاصطفى لذلك مما يخلق من موجوداته ومخلوقاته ولكنه لم يرد ذلك ولا فعله وقال الزمخشري معناه لو أراد الله اتخاذ الولد لامتنع ذلك ولكنه يصطفي من عباده من يشاء على وجه الاختصاص والتقريب لا على وجه اتخاذه ولدا فاصطفى الملائكة وشرفهم بالتقريب فحسب الكفار أنهم أولاده ثم زادوا على ذلك أن جعلوهم إناثا فأفرطوا في الكفر والكذب على الله وملائكته * (سبحانه هو الله الواحد القهار) * نزه تعالى نفسه من اتخاذ الولد ثم وصف نفسه بالواحد لأن الوحدانية تنافي اتخاذ الولد لأنه لو كان له ولد لكان من جنسه ولا جنس له لأنه واحد ووصف نفسه بالقهار ليدل على نفي الشركاء والأنداد لأن كل شيء مقهور تحت قهره تعالى فكيف يكون شريكا له ثم أتبع ذلك بما ذكره من خلقة السماوات والأرض وما بينهما ليدل على وحدانيته وقدرته وعظمته * (يكور الليل على النهار) * التكوير اللف واللي ومنه كور العمامة التي يلتوي بعضها على بعض وهو هنا استعارة ومعناه على ما قال ابن عطية يعيد من هذا على هذا فكان الذي يطيل من النهار أو الليل يصير منه على الآخر جزءا فيستره وكأن الذي ينقص يدخل في الذي يطول فيستتر فيه ويحتمل أن يكون المعنى أن كل واحد منهما يغلب الآخر إذا طرأ عليه فشبه في ستره له بثوب يلف على الآخر * (لأجل مسمى) * يعني يوم القيامة * (خلقكم من نفس واحدة) * يعني آدم عليه السلام * (ثم جعل منها زوجها) * يعني حواء خلقها من ضلع آدم فإن قيل كيف عطف قوله ثم جعل على خلقكم بثم التي تقتضي الترتيب والمهلة ولا شك أن خلقة حواء كانت قبل خلقة بني آدم فالجواب من ثلاثة أوجه الأول وهو المختار أن العطف إنما هو على معنى قوله واحدة لا على خلقكم كأنه قال خلقكم من نفس كانت واحدة ثم خلق منها زوجها بعد وحدتها الثاني أن ثم لترتيب الأخبار لا لترتيب الوجود الثالث أنه يعني بقوله خلقكم إخراج بني آدم من صلب أبيهم كالذر وذلك كله كان قبل خلقه حواء * (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) * يعني المذكورة في الأنعام من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين وسماها أزواجا لأن الذكر زوج الأنثى والأنثى زوج الذكر وأما أنزل ففيه ثلاثة أوجه الأول أن الله خلق أول هذه الأزواج في السماء ثم أنزلها الثاني أن معنى أنزل قضى وقسم فالإنزال عبارة عن نزول أمره وقضائه الثالث أنه أنزل المطر الذي ينبت به النبات فتعيش منه هذه الأنعام فعبر بإنزالها عن إنزال أرزاقها وهذا بعيد * (خلقا من بعد خلق) * يعني أن الإنسان يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن يتم خلقه ثم ينفخ فيه الروح * (في ظلمات ثلاث) * هي البطن والرحم والمشيمة وقيل صلب الأب
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»