التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٣ - الصفحة ١٨٨
أهل النار ويعني بالطاغين الكفار * (هذا فليذوقوه حميم وغساق) * هذا مبتدأ وخبره حميم فليذوقوه اعتراف بينهما والحميم الماء الحار والغساق قرئ بتخفيف السين وتشديدها وهو صديد أهل النار وقيل ما يسيل من عيونهم وقيل هو عذاب لا يعلمه إلا الله * (وآخر من شكله أزواج) * آخر معطوف على حميم وغساق تقديره وعذاب آخر قيل يعني الزمهرير ومعنى من شكله من مثله ونوعه أي من مثل العذاب المذكور وأزواج معناه أصناف وهو صفة للحميم والغساق والعذاب الآخر والمعنى أنهما أصناف من العذاب وقال ابن عطية آخر مبتدأ واختلف في خبره فقيل تقديره ولهم عذاب آخر وقيل أزواج مبتدأ ومن شكله خبر أزواج والجملة خبر آخر وقيل أزواج خبر الآخر ومن شكله في موضع الصفة وقرئ أخر بالجمع وهو أليق أن يكون أزواج خبره لأنه جمع مثله * (هذا فوج مقتحم معكم) * الفوج جماعة من الناس والمقتحم الداخل في زحام وشدة وهذا من كلام خزنة النار خاطبوا به رؤساء الكفار الذين دخلوا النار أولا ثم دخل بعدهم أتباعهم وهو الفوج المشار إليه وقيل هو كلام أهل النار بعضهم لبعض والأول أظهر * (لا مرحبا بهم) * أي لا يلقون رحبا ولا خيرا وهو دعاء من كلام رؤساء الكفار أي لا مرحبا بالفوج الذين هم أتباع لهم * (قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم) * هذا حكاية كلام الأتباع الرؤساء لما قالوا لهم لا مرحبا بهم أجابوهم بقولهم بل أنتم لا مرحبا بكم * (أنتم قدمتموه لنا) * هذا أيضا من كلام الأتباع خطابا للرؤساء وهو تعليل لقولهم بل أنتم لا مرحبا بكم والضمير في قدمتموه للعذاب ومعنى قدمتموه أوجبتموه لنا بما قدمتم في الدنيا من إغوائنا وأمركم لنا بالكفر * (قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار) * هذا أيضا من كلام الأتباع دعوا إلى الله تعالى أن يضاعف العذاب لرؤسائهم الذين أوجبوا لهم العذاب فهو كقولهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا في النار والضعف زيادة المثل * (قالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار) * الضمير في قالوا لرؤساء الكفار وقيل للطاغين والرجال هم ضعفاء المؤمنين وقيل إن القائلين لذلك أبو جهل لعنه الله وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وأمثالهم وأن الرجال المذكورين هم عمار وبلال وصهيب وأمثالهم واللفظ أعم من ذلك والمعنى أنهم قالوا في جهنم ما لنا لا نرى في النار رجالا كنا في الدنيا نعدهم من الأشرار * (اتخذناهم سخريا) * قرئ اتخذناهم بهمزة قطع ومعناها توبيخ أنفسهم على اتخاذهم المؤمنين سخريا وقرئ بألف وصل على أن يكون الجملة صفة لرجال وقرئ سخريا بضم السين من التسخير بمعنى الخدمة وبالكسر بمعنى الاستهزاء * (أم زاغت عنهم الأبصار) * هذا يحتمل ثلاثة أوجه أحدها أن يكون معادلا لقولهم ما لنا لا نرى رجالا والمعنى ما لنا لا نراهم في جهنم فهم ليسوا فيها أم هم فيها ولكن زاغت عنهم أبصارنا ومعنى زاغت عنهم مالت فلم نرهم الثاني أن يكون معادلا لقولهم اتخذناهم سخريا والمعنى اتخذناهم سخريا وأم زاغت الأبصار على هذا مالت عن النظر إليهم احتقارا لهم الثالث أن تكون أم منقطعة بمعنى بل والهمزة فلا تعادل شيئا مما قبلها * (إن ذلك لحق) * الإشارة إلى ما تقدم من حكاية أقوال أهل النار
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»